مستقبل العراق بعد الانسحاب الأمريكي
حسن العطار
أكمل الأمريكيون سحب جل قواتهم العسكرية من العراق قبل أسبوعين من التاريخ المحدد - أي 31 أغسطس الجاري - وأبقوا على زهاء 56 ألف جندي متمركزين في قواعد عسكرية خارج المدن العراقية. مهام هذه القوات - كما يدعون - ستكون مقصورة على تقديم المشورة وتدريب الجيش العراقي وقوى الأمن الداخلي، ومساعدة القوات العسكرية والأمنية العراقية على مواجهة المنظمات الإرهابية التي تقوم بأعمال العنف والتفجيرات الانتحارية.
لم يأت هذا الانسحاب نتيجة جاهزية الجيش والشرطة العراقيين لتحمل مسئوليتهما في الدفاع عن العراق ضد أي اعتداء خارجي، وحماية المواطنين من أعمال الإرهاب التي تستهدفهم بشكل منظم من وقت لآخر، فالجيش والشرطة لايزالان بعيدين عن تحقيق هذه الأهداف، ولن يكونا جاهزين قبل عام 2020 حسب اعتراف كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العراقيين. هذا الانسحاب مرتبط بأولويات أمريكية أخرى، مثل تحويل الموارد باتجاه أفغانستان، والسأم من حرب مكلفة لم يتفهمها ويقتنع بها الرأي العام الأمريكي قط، وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر القادم التي يصعب التكهن بنتائجها.
لقد بات العراق الآن دولة ليست بالمحتلة ولا بالمستقلة، وإنما في حالة ما يشبه التيه السياسي. وبعد سبع سنوات من الغزو، طغت على التجربة وعود بدت في أكثر الأحيان أشبه بحملة دعائية تستهدف جذب العراقيين، مثل وعود بإقرار الديمقراطية والحكم الرشيد وتحسين المستوى المعيشي، وكل هذا لم يتحقق بالمستوى المطلوب.
فقد أخفقت محاولات بناء دولة ديمقراطية وبلد آمن ومستقر، واستمرت أعمال العنف من دون أمل في نهاية لها، وشهدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تدهورا غير مسبوق، ارتفعت معه نسبة الفقر إلى نحو 35% والبطالة إلى نحو 60% بسبب الفساد وسوء استغلال موارد البلاد. وها هو العراق الذي تقوده معارضة المنفى منذ عام 2003 لايزال من غير حكومة بعد أكثر من خمسة أشهر من الانتخابات العامة التي كان من المفترض أن تأتي بحكومة جديدة، بسبب عدم فاعلية قادته السياسيين، ووقوعهم تحت سيطرة زخارف السلطة، وجشعهم الذي يقترب من حدود الفساد. هذا الوصف ليس من عندي، ولكنه لسياسي عراقي بارز يصف به زملاءه السياسيين.
أثبتت القوى السياسية العراقية أنها كيانات غير ديمقراطية، مارست العنف بكل أنواعه ضد بعضها بعضا، ولا ترى في اللعبة الديمقراطية سوى التزام مرحلي وسلم ترقى به إلى السلطة، لذلك حافظت على أجنحتها العسكرية لاستخدامها في الوقت المناسب.
والقوى السياسية التي لم يكن لديها أجنحة عسكرية منذ تأسيسها، عملت خلال السنوات القليلة الماضية بطرائق خفية على إنشاء هذه الأجنحة بمساعدة بعض دول الجوار العربي والإقليمي. والأدهى من هذا، أن جميع القوى السياسية لديها رجالها داخل الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وهؤلاء بلا شك يعملون حسب توجيهات قواهم السياسية في التأثير في أداء أجهزة الدولة لخدمة مصالحهم. كما أن هذه القوى بلا استثناء مرتبطة بقوى خارجية إقليمية ودولية تتخذ من العراق ساحة للصراع فيما بينها، ويعملون على تنفيذ أجنداتهم السياسية التي ليست بالضرورة تخدم مصالح الشعب العراقي.
الولايات المتحدة تتهيأ للخروج من العراق مع نهاية العام القادم، وهي بحاجة ماسة إلى إتاحة أجواء هادئة نسبيا تساعدها على الخروج بما يحفظ ماء وجهها. لذلك لا أستبعد أن تضغط الحكومة الأمريكية على القوى السياسية العراقية للتوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة توافقية شاملة، وهذه الحكومة ستكون بلا شك ضعيفة بصورة يرثى لها، وغير قادرة على تأكيد ذاتها ومعرضة للتعثر والأزمات عند مناقشة وتمرير القوانين اللازمة لتحديد شكل العراق فيما بعد الانسحاب الأمريكي.
هناك صعوبة في التنبؤ بمستقبل العراق - بعد الانسحاب الأمريكي الكامل نهاية العام القادم - في ظل حالة التعقيد الذي يعيشها في الوقت الحالي، ما يجعله مفتوحا أمام كل الاحتمالات وذلك في ضوء متغيرات عدة داخلية وخارجية. ومستقبل العراق لا يمكن فصله عن محيطه الإقليمي الذي يتنازعه حاليا نفوذ إيراني، ونشاط تركي، وغياب عربي.
المحللون السياسيون يطرحون ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العراق: الأول: تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية وفقا لنتائج الانتخابات الأخيرة، تقود العراق والشعب العراقي إلى مرحلة جديدة تغنيهما عن الوجود الأمريكي والتدخلات الإقليمية، وهذا ما أتمناه شخصيا ولكني استبعده، لأنني لا أعتقد أن القادة العراقيين الحاليين قد وصلوا إلى مرحلة من النضج السياسي والديمقراطي التي تقودهم لهذا السيناريو، وأتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئا.
الثاني: الخروج بصفقة طائفية هزيلة لتشكيل الحكومة الجديدة على غرار نظام الحكم في لبنان، يتولى الرئاسات الثلاث كل من المالكي وعلاوي والأكراد بالتوافق بين كتلهم النيابية، ويتم توزيع الحقائب الوزارية السيادية على الكتل السياسية بالتوافق.
الثالث: تقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وشيعية وسنية، ورغم عدم استحالة هذا السيناريو على المديين المتوسط والبعيد، فإن حظه من النجاح في الوقت الحاضر يعتبر ضئيلا جدا بسبب المعارضة الشديدة له من كل من تركيا وإيران وسوريا باعتباره يضر بأمنهم القومي.
وعليه، يبقى السيناريو الثاني هو الأقرب لمقاربة الواقع السياسي الحالي المرتبط بوجود القوات الأمريكية في العراق.
********************************************
في مقال آخر
انسحاب أمريكي.. وتعتيم إعلامي
معن بشور
مع انطلاق ثورة الاتصال والمعلومات العالمية، ظن «أسياد» العالم آنذاك أن باستطاعتهم أن يستخدموا هذا الانفجار الهائل في قدرات التواصل والإعلام لا لخدمة أغراض سياسية أو اقتصادية أو ثقافية فحسب، بل لتغيير وقائع حقيقية لصالح وقائع افتراضية أو وهمية، فيجري التضخيم حيث يريد، ويجري التحجيم حيث يجب، على طريقة التصوير التلفزيوني المعروف «زوم أوت» tuO mooZ و«زوم إن» nI mooZ .
والمتابعون بدقة للتحضيرات الأمريكية لحرب العراق يتذكرون أن البنتاجون أقام شعبة خاصة اسمها شعبة «التضليل الإعلامي» وخصص لها ميزانية تقدر بمليارات الدولارات ليعود فيغيّر الاسم ؟ الفضيحة بعد انتقادات واجهها قادة البنتاجون.
كانت الغاية من تلك الشعبة أولاً التمهيد لتلك الحرب العدوانية، عبر قنوات وإذاعات وأقلام بعضهم يكتب تقارير إعلامية وبعضهم الآخر تقارير استخبارية ولاسيّما من تيسّرت له فرص الدخول إلى العراق تحت غطاء إعلامي، وكانت الغاية الثانية هي القصف الإعلامي الذي يواكب القصف الجوي والبحري والبري تمهيداً لتقدم القوات، فرأى كثيرون مثلاً كيف أعلن سقوط العاصمة العراقية قبل سقوطها الفعلي بما جعل المدافعين عنها ينتقلون من مواقع الدفاع النظامي وخنادقه إلى مواقع المقاومة وعملياتها التي بدأت بعد ساعات قليلة من إعلان احتلال بغداد فيما اعتبر حينها بأنه أسرع مقاومة في التاريخ المعاصر.
يبدو أن حكام واشنطن الذين يمثّلون المركب الصناعي ؟ العسكري ؟ النفطي- المصرفي ؟ الإعلامي (وقد بات الإعلام صناعة ضخمة) استمرأوا اللعبة الإعلامية وطوروا أساليبها وفنونها: فالواقع الذي يصوره الإعلام هو الواقع الحقيقي، فيما الواقع الحقيقي غير موجود إذا لم يكن موجوداً في الإعلام، والشيطان يصبح ملاكاً في بعض الاعلام فيما حتى الملاك يغدو شيطاناً إذا احتاج الأمر، والجرائم يجد لها هذا الإعلام ألف تبرير وتبرير، أما الهزائم فيجري إنكارها (كما جرى مثلا بعد حرب يوليو- تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان) وإذا كانوا مضطرين للإقرار بها فيسعون إلى تطويق نتائجها وتداعياتها.
وليس أسطع من خطورة التلاعب بمهنية الإعلام ورسالته سوى ذلك التغييب الكامل لأخبار انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، وهو خبر يبدو بكل المقاييس أهم أحداث هذا القرن من دون منازع.
وتزداد حجم المفارقة هذه بين عظمة الحدث وهزال التغطية الإعلامية (أخبار، تعليقات، مقابلات) حين نتذكر كيف جرى، ويجري، التعامل مع أحداث تبقى، على أهميتها، أقل أهمية بكثير من هزيمة الدولة الكبرى في العالم على يد شعب عربي مسلم ترك وحده يواجه مصيره، وواجهت مقاومته ظلماً سياسياً، وتعتيماً إعلامياً، واتهامات جائرة قل نظيرها، بالإضافة إلى تشويهها بعمليات دموية، طائفية ومذهبية، بغيضة كانت تنسب اليها وهي منها براء.
حتى القنوات التي دخلت بيوت العرب والمسلمين بقوة بسبب تغطيتها للحرب على العراق، ومتابعتها في المراحل الأولى لأخبار المقاومة في حواضره وبواديه وعاصمته، نجدها صامتة، متغافلة، عن هذا الحدث الكبير كأنها لم تكن على علاقة به، وكأنها لم تقدم شهداء على أرض العراق الطاهرة.
قد يفهم البعض رغبة الإدارة الأمريكية في التعتيم على هزيمتها في العراق، وهو الذي قال عنه مسئولون أمريكيون كبار أنهم «باقون على أرضه عشرات السنين»، بإدراكهم إن الإقرار بهذه الهزيمة هو ضربة قاصمة لمعنوياتها وهيبتها وسطوتها، وفرصة للكثيرين لإعادة النظر في حساباتهم ورهاناتهم المحلية والإقليمية والدولية خصوصاً مما لايزال يعتقد ان الهيمنة الأمريكية قدر لا فكاك منه، فإذ بهذا القدر يتفكك وتتدحرج سطوته بلداً إثر بلد، ومنطقة إثر منطقة، بل بات «قدراً» يدرك انه يستمد قوته وسطوته من تسليم الآخرين بسطوته ومدهم له بكل أسباب القوة والقدرة.
وقد يفهم البعض إن وراء هذه الرغبة الأمريكية الطاغية على المنظومة الإعلامية العربية والعالمية، بأغلب مكوناتها، محاولة محمومة لحرمان ثقافة المقاومة وخيارها (وهو أكثر ما يخيف واشنطن وتل أبيب وحلفاءهما) من نموذج هائل، كنموذج المقاومة العراقية التي جاهدت وصمدت وهزمت المحتلين في ظل حصار شبه كامل، وإنكار غير مبرر، ومطاردة إقليمية وعالمية لم تكتف بأبطالها المجاهدين، بل بكل من انتصر لمقاومتهم ودافع عنها.
صحيح أن هزيمة الاحتلال الأمريكي هي نصف انتصار للشعب العراقي وللأمة العربية والإسلامية، لكن الانتصار الحقيقي يتحقق إذا نجح العراقيون، كل العراقيين، في تجاوز جراح الماضي، وما أكثرها، وفي انجاز مراجعة حقيقية لسلوكهم وتجاربهم تؤدي إلى مصالحة شاملة لا تستبعد إلا من يستبعد نفسه، والى عفو شامل عن كل أسرى الاحتلال، ومعتقليه بل مكافأتهم كشركاء في هذا الانتصار، والى انتخابات حرة نزيهة لجمعية تأسيسية تضع للعراق دستوراً جديداً منزّهاً عن شوائب الاحتلال وتؤسس لنظام ديمقراطي تعددي يستعيد به العراق موقعه ودوره وإشعاعه.
ألا يستحق إذاً هذا الانسحاب الأمريكي بكل تداعياته اهتماماً إعلامياً أكبر؟
*******************************************************
ابواب مشرعة
يتخوف ابراهيم السعدي من راديو دموزي من جولة جديدة من العنف. ان المؤسسات المحلية مازالت ضعيفة جدا حتى تؤمن الحماية للناس من الميليشيات واللاعبيين الاقليميين الذين يسعون لفرض نفوذهم على العراق. " الآن مع انسحاب آخر قوات امريكية فان ابواب العراق مشرعة لمن يريد الدخول. لا شك فيه ان الانسحاب هو انتصار للميليشيات العراقية". بدورها نورينك تعتقد ان الجماعات الشيعية ستسعى لمعرفة من هو الاقوى في البلاد.
" في السابق كان لا يعلم العراقيون من هو الشيعي او السني من بين اصدقائهم" تقول نورينك وتضيف " كان يتم الزواج بينهم واما الآن فقد تغير الوضع. الامريكيون حولوا النظام السياسي برمته الى نظام طائفي وهذا الامر انعكس على المجتمع".
يترافق هذا الامر مع احكام ايران قبضتها على العراق " ان نفوذها كبير جدا. من الناحية الاقتصادية تشاهد الكثير من السيارات الايرانية، لكن التأثير الاكبر ظاهر في السياسة. ينفذ السياسيون الحاليون رغبة ايران في العراق". هذا الامر صحيح يقول المحلل السياسي اسامة الشريف " لقد جعل الغزو الامريكي للبلاد من
ايران لاعبا سياسيا رئيسيا في العراق"
قنابل موقوتة
لكن ليست ايران وحدها من يهدد التوازن في الوضع الهش في العراق. هناك بلدان اخرى مثل قطر والسعودية. ان سياسة الحكومة العراقية المؤيدة لايران ليست محبوبة ابدا في البلدان العربية المجاورة. هناك ايضا، يقول الشريف "المشكلة الكردية، موقف العراق من سوريا والمشكلة النووية...يتصرف الامريكيون كما لو انهم ينسحبون من بلد مستقر وآمن، لكن العراق مليء بقنابل موقوتة محلية وعالمية ويمكن ان تنفجر في اية لحظة".
في الايام القادمة ستتبلور لعبة الصراع الاقليمي " ان نتائج المعركة ستظهر ما اذا كان قد تبقى من نفوذ امريكي في العراق" تقول نورينك. ويعتبر السعدي من راديو دموزي انه " لن يتخلى الامريكيون بسهولة عن العراق. إن الانسحاب واضح للعيان من إخلاء القواعد العسكرية وإجلاء الجنود، لكن نفوذهم السياسي مازال قائما".
بالاضافة الى ذلك هناك وجود فعلي للامريكيين في العراق عن طريق سفارتهم، حيث يعمل 15 الف موظف. " لا يمكن ان يكونوا كلهم دبلوماسيين" تقول الصحافية نورينك " ان الولايات المتحدة ستبقي المجموعات الخطرة تحت المراقبة وسيبقى العراقيون يعتمدون كثيرا على معلومات الاستخبارات
الامريكية".
********************************************************
المقالات منقولة عن صفحات إخبارية