منتديات نسمة صباح
مراحب بكل من زارنا آملين أن يجد ما يبحث عنه أو يسأل عليه,في منتدانا فلتتفضل بالتسجيل
منتديات نسمة صباح
مراحب بكل من زارنا آملين أن يجد ما يبحث عنه أو يسأل عليه,في منتدانا فلتتفضل بالتسجيل
منتديات نسمة صباح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أسري اجتماعي ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولسيرة الرسول الأكرم Cws32سيرة الرسول الأكرم LmLq1
مني إليكم
منتديات شباب وبنات ليبيا عبق المعرفة ونسيم العلم يداعب روح الإرتقاء لديكم ،، فأهلاً بكم
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» محمد صلاح يقود ليفربول الى لبطولة التشامبيونز ليج
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2018 9:31 am من طرف نسمة صباح

» زيت الزيتون والزنجبيل لعلاج التهاب المفاصل
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2018 9:26 am من طرف نسمة صباح

» استخدام الزيوت الطبيعيه لعلاج المفاصل
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2018 9:20 am من طرف نسمة صباح

» زلزال بقوة 4.7 يضرب وسط ايطاليا من جديد
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 11, 2018 9:12 am من طرف نسمة صباح

» بحيرة بزيمه الكفرة
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 23, 2016 12:00 pm من طرف نسمة صباح

» بحيرة ناول معلم سياحي فريد وسط جبال أوال الليبيه
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 23, 2016 11:45 am من طرف نسمة صباح

» الاحوال الجويه لمدينة طرابلس وباقي المدن الليبيه ل3 أيام قادمه
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 23, 2016 11:35 am من طرف نسمة صباح

» امرأة عجوز عمرها 70 عاما تلد توأم
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 15, 2014 9:18 pm من طرف الزنبقة السوداء

» حمامة فيكتوريا المتوّجة
سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 15, 2014 7:13 pm من طرف الرحال

دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
الساعة الآن


 

 سيرة الرسول الأكرم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 2:47 pm

قال تعالى :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) [المائدة/59] }

وقال تعالى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) [النساء/54، 55] }


وقال تعالى : { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) [البقرة/105] }

وقال تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) [البقرة/109] }





أنقل لكم البعض مما

جمعه وفهرسه وقدم له

الباحث في القرآن والسنة

علي بن نايف الشحود

في الخامس من شهر شعبان لعام 1427 هـ الموافق 30 /8/2006 م












مقدمة هامة
الباب الأول- الشمائل المحمدية
1.هذا النبي الذي سخروا منه..







قالوا فيه ما قالوا، والناس أعداء ما جهلوا.. ألا فليعرفوه، ولينظروا في أخلاقه، وأوصافه، فشفاء الجهل العلم (1).

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

أعظم رجل في التاريخ: محمد عبد الله صلى الله عليه وسلم.

ومن حسن تقدير الله لهذه الأمة أن جعله رسولها، فلها الفخر بهذا الشرف.. ومن المؤسف:

- أن من الناس من لا يستشعر عظمته.

- ومنهم من لا يكترث بحقوقه الواجبة على الأمة، من: محبة، واتباع، وأدب.

- وقد أهمل تعليم الصغار صفاته الخُلُقية والخَلْقية؛ فأطفالنا ينشئون وهم لا يعرفون عن نبيهم إلا: اسمه وشيئا من نسبه، وهجرته من مكة إلى المدينة. أما صفاته البدنية، وأخلاقه، ومقامه، وحقوقه، وجوانب سيرته فلا خبر لهم بها. وهذا تقصير منا..!!

نحن نحتاج إلى أن نتعرف على كل صغيرة وكبيرة في حياته، من لدن مولده إلى وفاته.. ينبغي أن ننظر إليه: مربيا، وقدوة، وقائدا، ورسولا، وسيدا ذا مقام رفيع، وقلب رحيم، ونفس زكية، وأدب جم، وصبر جميل. من حقه علينا أن ندرس كل جوانب حياته، ونعلم أطفالنا وأزواجنا وأهلينا: من هو رسول الله ؟.

وأداء لبعض هذا الحق، سنخصص هذا الحديث عن صفاته عليه السلام الخَلقية والخُلقية:

* * *

إنه محمد بن عبد الله ؛ ومحمد معناه: المحمود في كل صفاته.

أخرج البخاري في التاريخ الصغير عن أبي طالب:

وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد

وقد كان اسمه أحمد كما جاءت تسميته في الكتب السابقة، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام:

- {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد}.

وتسميته محمدًا وقعت في القرآن؛ سمي محمدا:

- لأن ربه حمده قبل أن يحمده الناس، وفي الآخرة يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس.

- ولأنه خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود.

- وشرع له الحمد بعد الأكل، والشرب، والدعاء، وبعد القدوم من السفر.

وسميت أمته الحمادين، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه...

* * *

وأما عن صفاته الخَلقية:

- فهو أبيض، ليس شديد البياض أمهقا، بل مشربا بحمرة، والعرب تسمي الأسمر سمرة خفيفة أبيضا مشرب بحمرة، قال أبو طالب:

وأبيضُ يستسقى الغمام بوجهه *** ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل

- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد.

- بعيد ما بين المنكبين.

- شديد سواد الشعر، ليس بالجعد القطط؛ وهو الشعر الذي يلتف على بعضه، ولا بالسبط؛ وهو الشعر المسترسل الناعم شديد النعومة، وإنما بين ذلك، يبلغ شحمة أذنيه، وقيل: "منكبيه".. يفرقها فرقتين من وسط الرأس، وفي شعر رأسه ولحيته شعيرات بيض لا تبلغ العشرون.

- مليح، وجهه مثل القمر في استدارته وجماله، ومثل الشمس في إشراقه، إذا سر يستنير ويتهلل وتنفرج أساريره.

- واسع الفم، والعرب تمدح بذلك وتذم بصغر الفم، جميل العينين قال جابر: "أشكل العينين" رواه مسلم قيل أشكل العينين: "أي طويل شق العينين"، وقيل: "حمرة في بياض العينين".

- يداه رحبتان كبيرتان واسعتان لينة الملمس كالحرير، يقول أنس: "ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم". متفق عليه

- قدماه غليظتان لينة الملمس، فكان يجمع في بدنه وأطرافه بين لين الملمس وقوة العظام.

- يداه باردتان، لهما رائحة المسك، يقول أبو جحيفة: "قام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم، فأخذت بيده فوضعتهما على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك"رواه البخاري.

* وعن جابر بن سمرة: "مسح رسول الله خدي فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار"مسلم كان عرقه أطيب من ريح المسك، قال أنس: " كأن عرقه اللؤلؤ " مسلم.

* ويقول وائل بن حجر: " لقد كنت أصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يمس جلدي جلده، فأتعرقه بعد في يدي وإنه لأطيب رائحة من المسك". الطبراني والبيقهي.

- وجمعت أم سليم من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلته في طيبها.

- وعن أنس: " كان رسول الله صلى الله إذا مر في طريق من طرق المدينة وجد منه رائحة المسك فيقال: مر رسول الله ". أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح.

- قال أنس: " ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله" رواه مسلم

- ساقاه بيضاء، تبرقان لمعانا.

- إبطه أبيض، من تعاهده نفسه بالنظافة والتجمل.

- إذا مشى يسرع، كأنما ينحدر من أعلى، لا يستطيع أحد أن يلحق به.

* * *

أما عن صفاته الخُلقية:

- فقد كان أجود الناس، أجود بالخير من الريح المرسلة.

- ما عرض عليه أمران إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما.

- أشد حياء من العذراء في خدرها.

- ما عاب طعاما قط؛ إن اشتهاه أكله وإلا تركه.

- إذا تكلم تكلم ثلاثا، بتمهل، لا يسرع ولا يسترسل، لو عد العاد حديثه لأحصاه.

- لا يحب النميمة ويقول لأصحابه: " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر".

- أشجع الناس، وأحسنهم خلقا، قال أنس: "خدمت رسول الله عشر سنين، والله ما قال لي: أفا قط. ولا لشيء فعلته: لم فعلت كذا ؟، وهلا فعلت كذا؟". مسلم

- ما عاب شيئا قط.

- ما سئل شيئا فقال: "لا". يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

- يحلم على الجاهل، ويصبر على الأذى.

- يتبسم في وجه محدثه، ويأخذ بيده، ولا ينزعها قبله.

- يقبل على من يحدثه، حتى يظن أنه أحب الناس إليه.

- يسلم على الأطفال ويداعبهم.

- يجيب دعوة: الحر، والعبد، والأمة، والمسكين، ويعود المرضى.

- ما التقم أحد أذنه، يريد كلامه، فينحّي رأسه قبله.

- يبدأ من لقيه بالسلام.

- خير الناس لأهله يصبر عليهم، ويغض الطرف عن أخطائهم، ويعينهم في أمور البيت، يخصف نعله، ويخيط ثوبه.

- يأتيه الصغير، فيأخذ بيده يريد أن يحدثه في أمر، فيذهب معه حيث شاء.

- يجالس الفقراء.

- يجلس حيث انتهى به المجلس.

- يكره أن يقوم له أحد، كما ينهى عن الغلو في مدحه.

- وقاره عجب، لا يضحك إلا تبسما، ولا يتكلم إلا عند الحاجة، بكلام يعد يحوي جوامع الكلم، حسن السمت.

- إذا كره شيئا عرف ذلك في وجهه.

- لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا سخابا، بالأسواق، ولا لعانا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.

- لا يقابل أحدا بشيء يكرهه، وإنما يقول: (ما بال أقوام ).

- لا يغضب ولا ينتقم لنفسه، إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فينتقم لله.

- ما ضرب بيمينه قط إلا في سبيل الله.

- لا تأخذه النشوة والكبر عن النصر:

* دخل في فتح مكة إلى الحرم خاشعا مستكينا، ذقنه يكاد يمس ظهر راحلته من الذلة لله تعالى والشكر له.. لم يدخل متكبرا، متجبرا، مفتخرا، شامتا.

* وقف أمامه رجل وهو يطوف بالبيت، فأخذته رعدة، وهو يظنه كملك من ملوك الأرض، فقال له رسول الله: "هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ".

- كان زاهدا في الدنيا:

* يضطجع على الحصير، ويرضى باليسير، وسادته من أدم حشوها ليف.

* يمر الشهر وليس له طعام إلا التمر.. يتلوى من الجوع ما يجد ما يملأ بطنه، فما شبع ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى فارق الدنيا.

- كان رحيما بأمته، أعطاه الله دعوة مستجابة، فادخرها لأمته يوم القيامة شفاعة، قال:

* ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا ) [البخاري]؛ ولذا قال تعالى عنه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}

* * *

نحن اليوم في غاية الحاجة إلى تدارس سيرته، ولو مرة في الأسبوع:

نجلس في البيت مع الزوجة والأبناء.. نقرأ إحدى كتب السير المعتمدة مثل:

- تهذيب سيرة ابن هشام.

- البداية والنهاية لابن كثير.

- الشمائل المحمدية للترمذي.

- فقه السيرة للغزالي.

- السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري.

وغيرها.. لابد أن نحرص على مثل هذه الحلقات في بيوتنا، إن أردنا أن نتزكى ونربي أبناءنا وأزواجنا، فهذه من أحسن وسائل التربية، وهو السلاح الذي نواجه به الغثاء الذي يتصدر وسائل الإعلام:

- فبه نحفظ أبناءنا من الانسلاخ، والانسياق وراء زخارف: الكفر، والفسق، والشهوات.

- وبه نغرس في قلوبهم محبة رسول الله، والفخر به،

- والتعلق بسنته، وتقليده في العادات والعبادات.

فمن غير المعقول أن تكون سيرة هذا الرجل العظيم، الذي ما حفظ لنا القرآن والسنة والتاريخ سيرة إنسان، مثلما حفظ سيرته، بين أيدينا ثم نهمله وننصرف عنه!.

إن ذلك لغفلة معيبة..‍‍!!.

[مراجع: فتح الباري 6/544ـ 578، مسلم الفضائل، البداية والنهاية].

000000000000000000000000

(1) المقصود بهم هنا: الصحف الدنمركية. التي نالت من مقام النبي صلى الله عليه وسلم شخصه بالرسومات، تنقصا، وسخرية.

---------------




2.نبذة يسيرة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم







محمد بن إبراهيم التويجري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد اختلف بنو إسرائيل. وحرفوا وبدلوا في عقيدتهم وشريعتهم فانطمس الحق وظهر الباطل وانتشر الظلم والفساد واحتاجت الأمة إلى دين يحق الحق ويمحق الباطل ويهدي الناس إلى الصراط المستقيم فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} النحل/64.

أرسل الله جميع الأنبياء والرسل للدعوة إلى عبادة الله وحده، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور فأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} النحل/36.

وآخر الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده قال تعالى: {ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} الأحزاب/40.

وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة كما قال سبحانه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ًونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون} سبأ/28.

وقد أنزل الله على رسوله القرآن يهدي به الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} إبراهيم/1.

وقد ولد الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي بمكة عام الفيل الذي جاء أصحابه لهدم الكعبة فأبادهم الله وتوفي أبوه وهو في بطن أمه ولما ولد محمد أرضعته حليمة السعدية ثم زار أخواله في المدينة مع أمه آمنة بنت وهب وفي طريق العودة إلى مكة توفيت أمه بالأبواء وعمره ست سنين ثم كفله جده عبد المطلب فمات وعمر محمد ثمان سنين ثم كفله عمه أبو طالب يرعاه ويكرمه ويدافع عنه أكثر من أربعين سنة وتوفي أبو طالب ولم يؤمن بدين محمد خشية أن تعيره قريش بترك دين آبائه.

وكان محمد في صغره يرعى الغنم لأهل مكة ثم سافر إلى الشام بتجارة لخديجة بنت خويلد وربحت التجارة وأعجبت خديجة بخلقه وصدقه وأمانته فتزوجها وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت.

وقد أنبت الله محمداً صلى الله عليه وسلم نباتاً حسناً وأدبه فأحسن تأديبه ورباه وعلمه حتى كان أحسن قومه خَلقاً وخُلقاً وأعظمهم مروءة وأوسعهم حلماً وأصدقهم حديثاً وأحفظهم أمانة حتى سماه قومه بالأمين.

ثم حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء الأيام والليالي يتعبد فيه ويدعو ربه وأبغض الأوثان والخمور والرذائل فلم يلتفت إليها في حياته.

ولما بلغ محمداً صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة شارك قريشاً في بناء الكعبة لما جرفتها السيول فلما تنازعوا في وضع الحجر الأسود حكموه في الأمر فدعا بثوب فوضع الحجر فيه ثم أمر رؤساء القبائل أن يأخذوا بأطرافه فرفعوه جميعاً ثم أخذه محمد فوضعه في مكانه وبنى عليه فرضي الجميع وانقطع النزاع.

وكان لأهل الجاهلية صفات حميدة كالكرم والوفاء والشجاعة وفيهم بقايا من دين إبراهيم كتعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة وإهداء البدن وإلى جانب هذا كانت لهم صفات وعادات ذميمة كالزنا، وشرب الخمور وأكل الربا وقتل البنات والظلم، وعبادة الأصنام.

وأول من غير دين إبراهيم ودعا إلى عبادة الأصنام عمرو بن لحي الخزاعي فقد جلب الأصنام إلى مكة وغيرها ودعا الناس إلى عبادتها ومنها ود، وسواع، ويغوث، ويعوق, ونسرا.

ثم اتخذ العرب أصناماً أخرى ومنها صنم مناة بقديد واللات بالطائف والعزى بوادي نخلة وهبل في جوف الكعبة وأصنام حول الكعبة وأصنام في بيوتهم واحتكم الناس إلى الكهان والعرافين والسحرة.

ولما انتشر الشرك والفساد بهذه الصورة بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة يدعو الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام فأنكرت عليه قريش ذلك وقالت: {أجعل الآلهة ألهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب} ص/5.

وظلت هذه الأصنام تعبد من دون الله حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد فكسرها وهدمها هو وأصحابه رضوان الله عليهم فظهر الحق وزهق الباطل: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً} الإسراء/81.

وأول ما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء الذي كان يتعبد فيه حيث جاءه جبريل فأمره أن يقرأ فقال الرسول ما أنا بقارئ فكرر عليه وفي الثالثة قال له: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم} العلق/1-2-3.

فرجع الرسول، وفؤاده يرجف، ودخل على زوجته خديجة ثم أخبرها وقال لقد خشيت على نفسي فطمأنته وقالت: (والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق) ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر فلما أخبره بشره وقال له هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى وأوصاه بالصبر إذا آذاه قومه وأخرجوه.

ثم فتر الوحي مدة فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم فبينما هو يمشي يوماً إذ رأى الملك مرة أخرى بين السماء والأرض فرجع إلى منزله وتدثر فأنزل الله عليه: (يا أيها المدثر، قم فأنذر) المدثر/1-2، ثم تتابع الوحي بعد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم.

أقام النبي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعوا إلى عبادة الله وحده سراً ثم جهراً حيث أمره الله أن يصدع بالحق فدعاهم بلين ولطف من غير قتال فأنذر عشيرته الأقربين ثم أنذر قومه ثم أنذر من حولهم ثم أنذر العرب قاطبة ثم أنذر العالمين. ثم قال سبحانه: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) الحجر/94.

وقد آمن بالرسول قلة من الأغنياء والأشراف والضعفاء والفقراء والعبيد رجالاً ونساءً وأوذي الجميع في دينهم فعُذِّبَ بعضهم وقتل بعضهم، وهاجر بعضهم إلى الحبشة فراراً من أذى قريش وأوذي معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فصبر حتى أظهر الله دينه.

ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين سنة ومضى عشر سنوات من بعثته مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أذى قريش ثم ماتت من بعده زوجته خديجة التي كانت تؤنسه فاشتد عليه البلاء من قومه وتجرؤا عليه وآذوه بصنوف الأذى وهو صابر محتسب. صلوات الله وسلامه عليه.

ولما اشتد عليه البلاء وتجرأت عليه قريش خرج إلى الطائف ودعا أهلها إلى الإسلام فلم يجيبوه، بل آذوه ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فرجع إلى مكة وظل يدعوا الناس إلى الإسلام في الحج وغيره.

ثم أسرى الله برسوله ليلا ًمن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكباً على البراق بصحبة جبريل، فنزل وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء الدنيا فرأى فيها آدم، وأرواح السعداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن شماله ثم عرج به إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى ثم إلى الثالثة فرأى فيها يوسف ثم إلى الرابعة فرأى فيها إدريس ثم إلى الخامسة فرأى فيها هارون ثم إلى السادسة فرأى فيها موسى ثم إلى السابعة فرأى فيها إبراهيم ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم كلمه ربه فأكرمه وفرض عليه وعلى أمته خمسين في اليوم والليلة ثم خففها إلى خمس في العمل وخمسين في الأجر واستقرت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة إكراماً منه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة قبل الصبح فقص عليهم ما جرى له فصدقه المؤمنون وكذبه الكافرون: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} الإسراء/1.

ثم هيأ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ينصره فالتقى في موسم الحج برهط من المدينة من الخزرج فأسلموا ثم رجعوا إلى المدينة، ونشروا فيها الإسلام فلما كان العام المقبل صاروا بضعة عشر فالتقى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام فأسلم على يديه خلق كثير، منهم زعماء الأوس سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير.

فلما كان العام المقبل وجاء موسم الحج خرج منهم ما يزيد على سبعين رجلاً من الأوس والخزرج فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن هجره وآذاه أهل مكة، فواعدهم الرسول في إحدى ليالي التشريق عند العقبة فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ولم يؤمن إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه فتكلم العباس، والرسول، والقوم بكلام حسن ثم بايعهم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يهاجر إليهم في المدينة على أن يمنعوه، وينصروه ويدافعوا عنه، ولهم الجنة فبايعوه واحداً, واحدا ً, ثم انصرفوا ثم علمت بهم قريش فخرجوا في طلبهم، ولكن الله نجاهم منهم، وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلى حين: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} الحج/40.



ثم أمر الرسول أصحابه بالهجرة إلى المدينة فهاجروا أرسالاً إلا من حبسه المشركون ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله وأبو بكر وعلي فلما أحس المشركون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 2:52 pm


بهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خافوا أن يلحق بهم فيشتد أمره فتآمروا على قتله فأخبر جبريل رسول الله بذلك فأمر الرسول علياً أن يبيت في فراشه، ويرد الودائع التي كانت عند الرسول صلى الله عليه وسلم لأهلها وبات المشركون عند باب الرسول ليقتلوه إذا خرج فخرج من بينهم وذهب إلى بيت أبي بكر بعد أن أنقذه الله من مكرهم وأنزل الله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال/30.

ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة، فخرج هو وأبو بكر إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاث ليال واستأجرا عبد الله بن أبي أريقط وكان مشركاً ليدلهما على الطريق، وسلماه راحلتيهما فذعرت قريش لما جرى وطلبتهما في كل مكان، ولكن الله حفظ رسوله فلما سكن الطلب عنهما، ارتحلا إلى المدينة فلما أيست منهما قريش بذلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما مائتين من الإبل فجد الناس في الطلب وفي الطريق إلى المدينة، علم بهما سراقة بن مالك وكان مشركاً فأرادهما فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض فعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ممنوع، وطلب من الرسول أن يدعوا له ولا يضره فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم، فرجع سراقة، ورد الناس عنهما ثم أسلم بعد فتح مكة.

فلما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كبر المسلمون فرحاً بقدومه واستقبله الرجال والنساء والأطفال فرحين مستبشرين فنزل بقباء وبنى هو والمسلمون مسجد قباء وأقام بها بضع عشرة ليلة ثم ركب يوم الجمعة فصلاها في بني سالم بن عوف ثم ركب ناقته ودخل المدينة والناس محيطون به، آخذون بزمام ناقته لينزل عندهم، فيقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى بركت في موضع مسجده اليوم.

وهيأ الله لرسوله أن ينزل على أخواله قرب المسجد فسكن في منزل أبي أيوب الأنصاري، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتي بأهله وبناته وأهل أبي بكر من مكة فجاءوا بهم إلى المدينة.

ثم شرع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بناء مسجده في المكان الذي بركت فيه الناقة وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل عمده الجذوع وسقفه الجريد ثم حولت القبلة إلى الكعبة بعد بضعة عشر شهراً من مقدمه المدينة.

ثم آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ووادع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود وكتب بينه وبينهم كتاباً على السلم والدفاع عن المدينة وأسلم حبر اليهود عبد الله بن سلام وأبى عامة اليهود إلا الكفر وفي تلك السنة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها.

وفي السنة الثانية شرع الأذان وصرف الله القبلة إلى الكعبة، وفرض صوم رمضان.

ولما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وأيده الله بنصره والتف المهاجرون والأنصار حوله واجتمعت القلوب عليه عند ذلك رماه المشركون، واليهود والمنافقون عن قوس واحدة فآذوه وافتروا عليه وبارزوه بالمحاربة والله يأمره بالصبر والعفو والصفح فلما اشتد ظلمهم وتفاقم شرهم، أذن الله للمسلمين بالقتال، فنزل قوله تعالى: {أذن للذين يُقاتِلون بأنهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير} الحج/39.

ثم فرض الّله على المسلمين قتال من قاتلهم فقال: {وقاتلوا في سبيل الّله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الّله لا يحب المعتدين} البقرة/190.

ثم فرض الله عليهم قتال المشركين كافة فقال: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} التوبة/36.

فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله ورد كيد المعتدين ودفع الظلم عن المظلومين وأيده الله بنصره، حتى صار الدين كله لله فقاتل المشركين في بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان فنصره الله عليهم وفرق جموعهم وفي السنة الثالثة غدر يهود بني قينقاع فقتلوا أحد المسلمين فأجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المدينة إلى الشام ثم ثأرت قريش لقتلاها في بدر، فعسكرت حول أحد في شوال من السنة الثالثة ودارت المعركة وعصى الرماة أمر الرسول، فلم يتم النصر للمسلمين وانصرف المشركون إلى مكة ولم يدخلوا المدينة.

ثم غدر يهود بني النضير وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بإلقاء الحجر عليه فنجاه الله، ثم حاصرهم في السنة الرابعة وأجلاهم إلى خيبر.

وفي السنة الخامسة غزا الرسول صلى الله عليه وسلم بني المصطلق لرد عدوانهم، فانتصر عليهم وغنم الأموال والسبايا ثم سعى زعماء اليهود في تأليب الأحزاب على المسلمين للقضاء على الإسلام في عقر داره. فاجتمع حول المدينة المشركون والأحباش وغطفان اليهود ثم أحبط الله كيدهم ونصر رسوله والمؤمنين: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً} الأحزاب/25.

ثم حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة لغدرهم، ونقضهم العهد فنصره الله عليهم فقتل الرجال وسبى الذرية وغنم الأموال.

وفي السنة السادسة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت والطواف به فصده المشركون عنه، فصالحهم في الحديبية على وقف القتال عشر سنين، يأمن فيها الناس ويختارون ما يريدون فدخل الناس في دين الله أفواجاً.

وفي السنة السابعة غزا الرسول خيبر للقضاء على زعماء اليهود الذين آذوا المسلمين، فحاصرهم ونصره الله عليهم وغنم الأموال والأرض وكاتب ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام.

وفي السنة الثامنة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة زيد بن حارثه لتأديب المعتدين ولكن الروم جمعوا جيشاً عظيماً فقتلوا قواد المسلمين وأنجى الله بقية المسلمين من شرهم.

ثم غدر كفار مكة فنقضوا العهد فتوجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش عظيم وفتح مكة، وطهر بيته العتيق من الأصنام، وولاية الكفار.

ثم كانت غزوة حنين في شوال من السنة الثامنة لرد عدوان ثقيف وهوازن فهزمهم الله وغنم المسلمون مغانم كثيرة ثم واصل الرسول صلى الله عليه وسلم مسيره إلى الطائف وحاصرها، ولم يأذن الله بفتحها فدعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وانصرف، فأسلموا فيما بعد ثم رجع ووزع الغنائم، ثم اعتمر هو وأصحابه ثم خرجوا إلى المدينة.

وفي السنة التاسعة كانت غزوة تبوك في زمان عسرة وشدة وحر شديد فسار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك لرد كيد الروم فعسكر هناك، ولم يلق كيداً وصالح بعض القبائل، وغنم ثم رجع إلى المدينة وهذه آخر غزوة غزاها عليه الصلاة والسلام وجاءت في تلك السنة وفود القبائل تريد الدخول في الإسلام ومنها وفد تميم ووفد طيء ووفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة وكلهم أسلموا ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يحج بالناس في تلك السنة وبعث معه علياً رضي الله عنه وأمره أن يقرأ على الناس سورة براءة للبراءة من المشركين وأمره أن ينادي في الناس فقال علي يوم النحر: {يا أيها الناس لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته}.

وفي السنة العاشرة عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحج، ودعا الناس إلى ذلك فحج معه من المدينة وغيرها خلقٌ كثير فأحرم من ذي الحليفة، ووصل إلى مكة في ذي الحجة وطاف وسعى وعلم الناس مناسكهم وخطب الناس بعرفات خطبة عظيمة جامعة، قرر فيها الأحكام الإسلامية العادلة فقال: (أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، أيها الناس إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد، فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون، قالوا نشهد أنك قد بلَّغت، وأديت، ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات).

ولما أكمل الله هذا الدين، وتقررت أصوله، نزل عليه وهو بعرفات: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} المائدة/3.

وتسمى هذه الحجة حجة الوداع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ودع فيها الناس، ولم يحج بعدها ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من حجه إلى المدينة.

وفي السنة الحادية عشرة في شهر صفر بدأ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما اشتد عليه الوجع أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلى بالناس وفي ربيع الأول، زاد عليه المرض فقبض صلوات الله وسلامه عليه ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة فحزن المسلمون لذلك حزناً شديداً ثم غُسل وصلى عليه المسلمون يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء ودفن في بيت عائشة والرسول قد مات ودينه باق إلى يوم القيامة.

ثم اختار المسلمون صاحبه في الغار ورفيقه في الهجرة أبا بكر رضي الله عنه خليفة لهم ثم تولى الخلافة من بعده عمر ثم عثمان ثم علي وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون المهديون رضوان الله عليهم أجمعين.

وقد امتنّ الله على رسوله محمد بنعم عظيمة وأوصاه بالأخلاق الكريمة كما قال سبحانه: {ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى، فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث} الضحى/6-11.

وقد أكرم الله رسوله بأخلاق عظيمة لم تجتمع لأحدٍٍ غيره حتى أثنى عليه ربه بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم/4.

وبهذه الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، استطاع عليه السلام أن يجمع النفوس ويؤلف القلوب بإذن ربه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} آل عمران/159.

وقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وأنزل عليه القرآن وأمره بالدعوة إلى الله كما قال سبحانه: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} الأحزاب/46.

وقد فضل الله رسوله محمداً على غيره من الأنبياء بست فضائل كما قال صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الناس كافة، وختم بي النبيون)). رواه مسلم/523.

فيجب على جميع الناس الإيمان به، واتباع شرعه، ليدخلوا جنة ربهم: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} النساء/13.

وقد أثنى الله على من يؤمن بالرسول من أهل الكتاب وبشرهم بالأجر مرتين كما قال سبحانه: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} القصص/52 -54. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران... إلخ)).

ومن لم يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، والكافر جزاؤه النار كما قال سبحانه: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً} الفتح/13، وقال عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أصحاب النار)). رواه مسلم/154.

و الرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم إلا ما علمه الله ولا يعلم الغيب ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً كما قال سبحانه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاَّ نذير وبشير لقوم يؤمنون} الأعراف/188.

وقد أرسله الله بالإسلام ليظهره على الدين كله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} الفتح/28.

ومهمة الرسول هي إبلاغ ما أرسل به، والهداية بيد الله: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ} الشورى/48.

ولما للرسول صلى الله عليه وسلم من فضل عظيم على البشرية، بدعوتها إلى هذا الدين وإخراجها من الظلمات إلى النور، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمرنا بالصلاة عليه في حالات كثيرة فقال سبحانه: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} الأحزاب/21.

وقد جاهد النبي عليه الصلاة والسلام في سبيل نشر هذا الدين وجاهد أصحابه معه فعلينا الاقتداء به واتباع سنته والسير على هديه كما قال سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} الأحزاب/21.

والإسلام دين الفطرة والعدل دين ارتضاه الله للناس كافة وهو يشتمل على أصول وفروع وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات ولن تسعد الأمة إلا باتباعه والعمل به ولن يقبل الله من الناس غيره كما قال سبحانه: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} آل عمران/85.

اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجر

---------------
3.من هو الكريم إذا عُـدّ الكرماء؟؟



عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

إذا أراد بعض الناس أن يضرب مثلا للكرم فإنه يذكر حاتم الطائي.

فيقول بعضهم: كرم حاتمي !!

أو أكرم من حاتم !!

وفي الشجاعة يُضرب المثل بعنتر أو بغيره من شُجعان العرب.

وفي الحِلم يُضرب المثل بالأحنف أو بخاله قيس بن عاصم.

وهكذا...

ولكن دعونا نرى:

من هو الكريم؟

ومن هو الشجاع؟

ومن هو الحليم؟

إن هذه الصفات وغيرها من كريم الخصال وحميد السجايا قد جمعها الله عز وجل لصفوة خلقه

جمعها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فلقد وُصِف عليه الصلاة والسلام بأنه يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

قال أنس رضي الله عنه :

ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه. قال: وجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يُعطي عطاء لا يخشى الفاقة. رواه مسلم.

وأعطى صفوان بن أمية يوم حُنين مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة. رواه مسلم.

فمن أعطى مثل هذا العطاء؟؟

ومن يستطيع مثل ذلك العطاء والسخاء والجود والكرم؟؟؟

بل مَن يُدانيه؟؟؟

إن من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لا يُمكن أن يُعطي مثل ذلك العطاء.

ولو أعطى مثل ذلك العطاء، فلديه الكثير

أما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيُعطي العطاء الجزيل، وربما بات طاوياً جائعاً.

فهذا الذي أخذ بمعاقد الكرم فانفرد به، وحاز قصب السبق فيه بل في كل خلق فاضل كريم

فلا أحد يقترب منه أو يُدانيه في ذلك كله.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الرِّيحِ المرسَلَة، وكان أجود ما يكون في رمضان. كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

وقَدِمَ عليه سبعون ألف درهم، فقام يَقْسمُها فما ردَّ سائلاً حتى فرغ منها صلى الله عليه وسلم. رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخبر جبير بن مطعم أنه كان يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَـقْـفَـلَـهُ من حنين، فَـعَـلِـقـه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمُرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي. لو كان لي عدد هذه العِـضَـاه نَـعَـماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا. رواه البخاري.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم الشُّجاع الذي يتقدّم الشجعان إذا احمرّت الحَدَق، وادلهمّت الخطوب

أنت الشّجاع إذا الأبطال ذاهلة *** والهُنْدُوانيُّ في الأعنـاق والُّلمَـمِ



قال البراء رضي الله عنه: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم

وقال عليّ رضي الله عنه: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. رواه أحمد وغيره.

أما البراء رضي الله عنه فهو الملقّب بالمَهْلَكَة، وأما عليٌّ رضي الله عنه فشجاعتُه أشهرُ من أن تُذْكَر.

ومع ذلك يتّقون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ومع ذلك كان الشجاع منهم الذي يُحاذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنهما : أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يَـفِـر. متفق عليه.

وقال رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة، وهو يقول: لم تراعوا. لم تراعوا. قال: وجدناه بحراً، أو إنه لبحر. (يعني الفرس) متفق عليه.

كان صلى الله عليه وسلم حليم على مَنْ سَفِـه عليه، أتتـه قريش بعد طول عناء وأذى، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

شَـدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّـر في عاتقـه، ثم أغلظ له القول بأن قال له: يا محمد مـُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمـر له بعطاء. متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه.

هو مَنْ جمع خصال الخير وكريم الشمائل، وَصَفَه ربّـه بأنـه {بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

قال الحسن البصري في قوله عز وجل: {فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم} قال: هذا خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم نَعَتَـه الله عز وجل.

كان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان أجودَ الناس كـفّـاً، وأشرَحهم صدرا، وأصدق الناس لهجة، وألْيَنهم عريكة، وأكرمهم عِشرة، من رآه بديهةً هابَـه، ومن خالطه معرفـةً أحبَّـه، يقول ناعِتـُه: لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي في شُعب الإيمان.

تلك قَطْرِةٌ من بحرِ صفاتِه، وإشارةٌ لمن ألقى السَّمْعَ، وتذكِرةٌ للمُـحِبّ.

فهذه أخلاقه فأين المحبـُّـون؟

هذه من أخلاقه عليه الصلاة والسلام فأين المقتدون؟

فهل أبقى لحاتم طي مِن كرم؟

وهل أبقى لعنتر من شجاعة؟

وهل أبقى لقيس مِن حِلـم؟

صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

---------------
4.من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم



كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، عن أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.

قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم 4].

قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان خلقه القرآن) صحيح مسلم.

فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً.... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.اهـ.

عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا) رواه البخاري.



ما المقصود بحُسن الخلق؟

عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ((البر حسن الخلق..)) رواه مسلم [رقم: 2553]

قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الحديث السابع والعشرون في الأربعين النووية:

حسن الخلق أي حسن الخلق مع الله، وحسن الخلق مع عباد الله، فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم، وأن لا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعا، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح.

أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه: كف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغيره.

على الرغم من حُسن خلقه حيث كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي) رواه أحمد ورواته ثقات.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق)) رواه أبو داود والنسائي.



أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله:

كان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) سنن الترمذي.



وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش)، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها.

كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: ((دعي لي))، وتقول له: دع لي. رواه مسلم.

وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها‏.‏ وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.



(عن الأسود قال:سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال: كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد.

قال صلى الله عليه وسلم "إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: اقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد.

(وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها) رواه البخاري.

ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري.

عدل النبي صلى الله عليه وسلم:

كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين.

قال تعالى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} (النساء:135)

كان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ غيورة.

فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنها ـ أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وهو يقول: ((كلوا، غارت أُمكم)) مرتين. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني.

قال عليه الصلاة والسلام في قصة المرأة المخزومية التي سرقت: ((‏والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد‏,‏ لقطعت يدها)‏)‏.

كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

كان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه أكمل الهديِّ،كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه.

وكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء‏:‏ عُرِفَ في وجهه.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال:

وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.

وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (الأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.

خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان فإنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل أبنه ابنته أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم:

ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" - رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.

وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله - رواه مالك والشيخان وأبو داود.

عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم".

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)

وعندما قيل له: ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة)) - رواه مسلم.

قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إنما أنا بشر، فأيُّ المسلمين سببته أو لعنته، فاجعلها له زكاة و أجراً)) رواه مسلم .

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، و من ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به)).

قال صلى الله عليه وسلم: ((هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم)) رواه البخاري.

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..} (آل عمران:159)

وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه الترمذي وصححه الألباني .

وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: ((أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم)) رواه مسلم.



عفو النبي صلى الله عليه وسلم:

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له: والله لا أذهب. وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: ((يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟)) قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله فذهبت) رواه مسلم وأبو داود.

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزرموه، دعوه))، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن)) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم



تواضعه صلى الله عليه وسلم:

وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوتهم دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.

وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: {تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ} [القصص: 83].

فكان أبعد الناس عن الكبر، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله)) رواه البخاري.

كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم: ((آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد)) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.

كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم: ((لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت)) رواه الترمذي وصححه الألباني.

كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال: ((لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) رواه مسلم

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية.

عن أنس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل
[الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 2:59 pm

ومن ذلك شفقته بمن يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب، بألطف عبارة وأحسن إشارة، من ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى.

فعن أبي أُمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: ((ادنه))، فدنا منه قريباً، قال: ((أتحبّه لأمّك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)) قال: ((أفتحبه لابنتك؟)) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: ((ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم)) قال: ((أفتحبه لأختك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ((ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم)). قال: ((أفتحبه لعمتك؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ((ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم)). قال: ((أفتحبه لخالتك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ((ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم)) قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه)) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد.

وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت الكافرين، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواجٌ من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل، كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: {ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...} [ النحل:12].

إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى: {... ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم} [فصلت 34-35].



مزاح النبي صلى الله عليه وسلم:

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يمازح العجوز، فقد سألته امرأة عجوز قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أُم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز)) فولت تبكي، فقال: ((أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: {إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً})) [ الواقعة 35 37 ] رواه الترمذي في الشمائل وحسنه الألباني.

وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه‏.‏

كرم النبي صلى الله عليه وسلم:

من كرمه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم

صبر النبي صلى الله عليه وسلم:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان..

قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} الفتح:29

ومن صبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان.

فقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت إبراهيم وهو يجود بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)).

تعاون النبي صلى الله عليه وسلم:

قال عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏((مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه)‏)‏‏.

عن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته. رواه النسائي والحاكم.



نصيحة لنفسي ولأخوتي:

قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً *ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً} [سورة النساء:69-70].

وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} [سورة الأحزاب:21].

فأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع معه: المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)).

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من خياركم أحسنكم خلقا)).

قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء)). وفي رواية: ((وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله)). وفي رواية: ((لنسائهم)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا)).

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذه الأخلاق من الله تعالى؛ فمن أراد الله به خيراً منحه خلقا حسنا)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم: ((إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد)).

00000000000000

بعض المصادر:

* مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الرابع للشيخ ابن باز رحمه الله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

* موقع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

شرح الشيخ للحديث: السابع والعشرون الأربع النووية

كتاب: زاد المعاد

---------------
5.ملخص لمائة خصلة انفرد بها صلى الله عليه وسلم عن بقية الأنبياء السابقين عليهم السلام



للدكتور /خليل إبراهيم ملا خاطر

أستاذ مشارك في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة النبوية

لخصها إبراهيم الحدادي

ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا:

1. أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، صلى الله عليه وسلم.

2. كان عند أهل الكتاب علم تام به صلى الله عليه وسلم.

3. كان نبيا وآدم منجدل في طينته صلى الله عليه وسلم.

4. هو أول المسلمين صلى الله عليه وسلم.

5. هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

6. هو نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

7. هو أولى بالأنبياء من أممهم صلى الله عليه وسلم.

8. هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم صلى الله عليه وسلم.

9. كونه منة يمتن الله بها على عباده.

10. كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.

11. طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته.

12. الإيمان به مقرون بالإيمان بالله تعالى.

13. هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.

14. هو أمنة لأمته صلى الله عليه وسلم.

15. عموم رسالته صلى الله عليه وسلم.

16. تكفل المولى بحفظه وعصمته صلى الله عليه وسلم.

17. التكفل بحفظ دينه صلى الله عليه وسلم.

18. القسم بحياته صلى الله عليه وسلم.

19. القسم ببلده صلى الله عليه وسلم.

20. القسم له صلى الله عليه وسلم.

21. لم يناده باسمه صلى الله عليه وسلم.

22. ذكر في أول من ذكر من الأنبياء.

23. النهي عن مناداته باسمه صلى الله عليه وسلم.

24. لا يرفع صوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم.

25. تقديم الصدقة بين يدي مناجاتهم له ( ثم نسخ ذلك ).

26. جعله الله نورا صلى الله عليه وسلم.

27. فرض بعض شرعه في السماء صلى الله عليه وسلم.

28. تولى الإجابة عنه صلى الله عليه وسلم.

29. استمرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

30. الإسراء والمعراج به صلى الله عليه وسلم.

31. معجزاته صلى الله عليه وسلم.

32. غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وسلم.

33. تأخير دعوته المستجابة ليوم القيامة صلى الله عليه وسلم.

34. أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

35. أعطي مفاتيح خزائن الأرض صلى الله عليه وسلم.

36. إسلام قرينه من الجن صلى الله عليه وسلم.

37. نصره بالرعب مسيرة شهر صلى الله عليه وسلم.

38. شهادة الله وملائكته له صلى الله عليه وسلم.

39. إمامته بالأنبياء في بيت المقدس صلى الله عليه وسلم.

40. قرنه خير قرون بني آدم صلى الله عليه وسلم.

41. ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة صلى الله عليه وسلم.

42. أعطي انشقاق القمر صلى الله عليه وسلم.

43. يرى من وراء ظهره صلى الله عليه وسلم.

44. رؤيته في المنام حق صلى الله عليه وسلم.

45. عرض الأنبياء مع أممهم عليه صلى الله عليه وسلم.

46. جعل خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم.

47. اطلاعه على المغيبات صلى الله عليه وسلم.

ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة:

48- وصفه بالشهادة صلى الله عليه وسلم.

49- ما أعطي من الشفاعات صلى الله عليه وسلم.

50- هو أول من يبعث صلى الله عليه وسلم.

51-هو إمام الأنبياء وخطيبهم صلى الله عليه وسلم.

52- كل الأنبياء تحت لوائه صلى الله عليه وسلم.

53- هو أول من يجوز على الصراط صلى الله عليه وسلم.

54- هو أول من يقرع باب الجنة صلى الله عليه وسلم.

55- هو أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم.

56-إعطاؤه الوسيلة والفضيلة صلى الله عليه وسلم.( الوسيلة : اعلى منزلة في الجنة ).

57-إعطاؤه المقام المحمود صلى الله عليه وسلم.( وهي الشفاعة العظمى ).

58- إعطاؤه الكوثر صلى الله عليه وسلم.( وهو نهر في الجنة ).

59- إعطاؤه لواء الحمد صلى الله عليه وسلم.

60-يكون له كرسي عن يمين العرش صلى الله عليه وسلم.

61-هو أكثر الأنبياء تبعا صلى الله عليه وسلم.

62- هو سيد الأولين والآخرين يوم القيامة صلى الله عليه وسلم.

63- هو أول شافع ومشفع صلى الله عليه وسلم.

64- هو مبشر الناس يوم يفزع إليه الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

65- ما يوحى إليه في سجوده تحت العرش مما لم يفتح على غيره من قبل ومن بعد صلى الله عليه وسلم.

66- منبره على حوضه صلى الله عليه وسلم.



ما أكرمه الله به في أمته في الدنيا:

67- جعلت خير الأمم.

68- سماهم الله تعالى المسلمين، وخصهم بالإسلام.

69- أكمل الله لها الدين، وأتم عليها النعمة.

70- ما حطه الله لها عنها من الاصر والاغلال.

71- صلاة المسيح خلف إمام المسلمين.

72- أحلت لها الغنائم.

73- جعلت صفوفها كصفوف الملائكة.

74- التيمم والصلاة على الأرض.

75- خصهم بيوم الجمعة.

76- خصهم بساعة الإجابة يوم الجمعة.

77- خصهم بليلة القدر.

78- هذه الأمة هي شهداء الله في الأرض.

79- مثلها في الكتب السابقة ( ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ).

80- لن تهلك بجوع، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستأصلها.

81- خصت بصلاة العشاء.

82- تؤمن بجميع الأنبياء.

83- حفظها من التنقص في حق ربها عز وجل.

84- لا تزال طائفة منها على الحق منصورة.

ما أكرمه الله تعالى به في أمته في الآخرة:

85- هي شاهدة للأنبياء على أممهم.

86- هي أول من يجتاز الصراط.

87- هي أول من يدخل الجنة،وهي محرمة على الناس حتى تدخلها.

88- انفرادها بدخول الباب الأيمن من الجنة.

89- سيفديها بغير من الأمم.

90- تأتي غرا محجلين من آثار الوضوء.

91- هي أكثر أهل الجنة.

92- سيرضي الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيها.

93- زيادة الثواب مع قلة العمل.

94- كلها تدخل الجنة إلا من أبى بمعصيته لله ورسوله للحديث الذي رواه البخاري.

95- كثرة الشفاعات في أمته.

96- تمني الكفار لو كانوا مسلمين.

97- هم الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة.

98- دخول العدد الكثير منها الجنة بغير حساب.

99- لها علامة تعرف بها ربها عز وجل وهو الساق.

100- فيها سادات أهل الجنة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرجع كتاب /تذكير المسلمين باتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم

المؤلف /عبد الله بن جار الله

---------------
6.محمد خاتم المرسلين



د. عبد المعطي الدالاتي

هل أشرح العنوان؟!..

أخاف على إشراقه أن يُمَس!.. وأغار على جماله أن يُنتقَص!..

وأعترف أني في نفسي قد حاولت، واستنجد ت بمفردات اللغة فما نجحت، فيا حيرة القلم، ويا عجمة البيان!

وإذا ما عجزت عن بلوغ النجم في ذ راه، فلن أعجز عن الإشارة إلى النجم في سُراه، ورُبَّ كلمة يبارك الله بها فنقرأ فيها فحوى كتاب، وكم بارك الله بالسطور التي لا تُرى!

أخي الذي تقرأ معي هذه الكلمات: ألست معي في أنّ من عرف محمداً، عرف كل خير وحق وجمال؟ وظفر بكون معنوي كامل قائم بهذا الإنسان الأعظم؟

ومن شك فليدرس حياته كلها أقول كلها بقلب منصف، وعقل مفتوح، فلن يبصر فيها إلا ما تهوى العلا، ولن يجد فيها إلا كرا ئم ا لمعا ني، وطهر ا لسيرة والسريرة.

أرأيت العطر!! ألا يغنيك استنشاقه في لحظة عن وصفه في كتاب!؟

فإنك ما إن تقرأ كلامه حتى يتصل بك تيار الروح العظيمة التي أودَعت بعض عظمتها في أحاديثها، فإذا بالقلب يزكو، والنفس تطيب، وإذا بأنوار النبوة تمحو عن النفس حجاب الظلمات!

هكذا يخترق كلام النبوة حُجب النفس بعد أن اخترق حجب الزمان.

محظوظون أولئك الذين استطاعوا الرقي إلى عالم النبي، لأنهم سيشعرون في فضاءات عظمته أنهم عظماء، فالحياة في ظلال الرسول حياة وإذا كانت حياة الجسم في الروح، فإن حياة الروح في سنة و سيرة وحياة الحبيب المصطفى

لا يمكن الإحاطة بجوانب عظمة النبي محمد إلا إذا أمكن الإحاطة بجميع أطواء الكون، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالَماً في فرد، فكان بهذا فرداً في العالم..

النبوة إشراق سماوي على الإنسانية، ليقوّمها في سيرها، ويجذبها نحو الكمال..

والنبي من الأنبياء هو الإنسان الكامل الذي يبعثه الله تعالى لتهتدي به خُطا العقل الإنساني في التاريخ..

لقد كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام النور الذي أشرق في تاريخ الإنسان، ففيهم تحس صدق النور، وسر الروعة، ولطف الجمال الظاهر والباطن

في طهر سيرتهم، ونقاء سريرتهم، وعطر أفكارهم، ويقظة أفئد تهم، وفي كل حركاتهم وسكَناتهم تلمس إعجاز النبوة العجيب.. أ ليس الله قد اصطنعهم على عينه، واختارهم ليـبلغوا رسالته؟!

لقد كان الأنبياء هم البدء، ولا بد للبدء من تكملة، والتكملة بدأت في يوم حراء، غرّة أيام الدهر، ففيه تنزلت أنوار الوحي على من استحق بزّة الخاتمية فكان خاتم الأنبياء، ومن ذا يستحق أن يُختم به الوحي الإلهي غير الصادق الأمين؟!

الصادق الذي ما كذب مرة قط، لا على نفسه، ولا على الناس، ولا على ربه ومن منا يستطيع أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله ومشاعره ومواقفه مدى الحياة؟! اللهم لا يطيق هذا سوى الأنبياء والأمين الذي كان أميناً في كل شيء وكان قبل كل شيء أميناً على عقول الناس، وأفكار الناس.

كسفت الشمس يوم توفي ولده إبراهيم، فقالوا: "كُسفت الشمس لموت إبراهيم" لم يستغل رسول الإنسانية الأمين ضعف الناس فيتخذ من هذه الحادثة الاستثنائية دليلاً على صدق نبوته.. فنبوته حق، والحق قوي بذاته، والطبيعة لا تتدخل في أحزان الإنسان، فجاء البيان النبوي الصادق:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد" وهيهات أن يقبل الرسول لأصحابه أن يكون الجهل سبباً للإيمان

لم يشغله حزنه الكبير على وفاة طفله الصغير، عن تصحيح مفهوم خاطئ عند الناس.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أميناً في تبليغ الرسالة كلها، فلم يُخف من القرآن المنزل عليه آيـة، ولو لم يكن نبيـاً لما وجد نا في القرآن سورة (مريم) و(آل عمران).. لو لم يكن نبياً لكتم آياتٍ كثيرةً من مثل هذه الآية الكريمة: {وإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلى نِسَاء الْعَالَمِينَ}. "على نساء العالمين"! هكذا بهذا الإطلاق الذي رفع السيدة مريم إلى أعلى الآفاق! أي صدق؟! وأية دلالة على مصدر هذا القرآن وصدق النبي الأميــن؟! ولو لم يكن رســولاً مــن الله ما أظهر هذا القول في هذا المجال بحال..

إن نبوّة محمد هي نبوّة صدق وأمانة وإيمان، إنها نبوة تدعو إلى فهم ووعي وهداية، هداية بالتفكر والتأمل والنظر، فالتفكير يوجب الإسلام والإسلام يوجب التفكير فلا يُخشى على الإسلام من حرية الفكر، بل يخشى عليه من اعتقال الفكر.

إنها نبوة مبشرة منذرة {إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

لا إغراء في هذه النبوة ولا مساومة {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}، وإن من لا يُصدق هذه ا لنبوة فلن يصدق أي خبر عن الإيمان أو الوجود، ومن لا ينتفع بعقـله وضميره للإيمان بهذه النبوة فلن تنفعه كل المعجزات.

لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته وانتشار دعوته معجزة الإسلام الثانية، وحُقّ للنفس التي تجمعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أن تكون معجزة الإنسانية الخالدة.

يقول أســتاذ الفلســفة راما راو: (إن إلقاء نظرة على شخصية محمد تسمح لنا بالاطلاع على عدد كبير من المشاهد: فهناك محمد الرسول، ومحمد المجاهد، ومحمد الحاكم، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملجأ الأيتام، ومحمد محرر العبيد، ومحمد حامي المرأة، ومحمد القاضي، ومحمد العابد لله.. كل هذه الأدوار الرائعة تجعل منه أسوة للإنســانية)..

ويقول الزيات: "لما بُعث الرسول الكريم بَعث الحرية من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في ا لخير، والتعاون على البر، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة.. حتى شعر الضعيف أن جـنــد الله قـوّتــه، والفقير أن بيت المال ثروتـه!! والوحيد أن المؤمنين جميعـاً إخوتــه..".

" من كتاب ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "

---------------
7.ماذا يُـحـب الحبيب؟



عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

أكمل خلق الله هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.

فماذا كان صلى الله عليه وسلم يُحب؟

لنحاول التعرّف على بعض ما يُحب لنحبّ ما أحب صلى الله عليه وسلم.

قال أنس رضي الله عنه: إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً ومرقا فيه دباء وقديد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي القصعة. قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ. رواه البخاري ومسلم.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً أحب الطِّيب والجنس اللطيف.

قال عليه الصلاة والسلام: حُبب إليّ من الدنيا النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة. رواه الإمام أحمد والنسائي.

وحُبه صلى الله عليه وسلم للطيب معروف حتى إنه لا يردّ الطيب.

وكان لا يرد الطيب، كما قاله أنس، والحديث في صحيح البخاري.

وكان يتطيّب لإحرامه، وإذا حلّ من إحرامه، كما حكته عنه عائشة رضي الله عنها، والحديث في الصحيحين.

قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد. رواه البخاري.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً أحب الطيّبات والطيبين.

سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة فقيل: من الرجال؟ فقال: أبوها. قيل: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدّ رجالا.

فما كره الطيب أو النساء إلا منكوس الفطرة !

وما على العنبر الفوّاح من حرج = أن مات من شمِّـه الزبّال والجُعلُ !!وأحب صلى الله عليه وسلم الصلاة، حتى إنه ليجد فيها راحة نفسه، وقرّة عينه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:07 pm


فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال: يا بلال أرحنا بالصلاة. رواه الإمام أحمد وأبو داود.

بل إن الكفار علموا بهذا الشعور فقالوا يوم قابلوا جيش النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد. رواه مسلم.

وشُرعت يومها صلاة الخوف.

فهذا الشعور بمحبة الصلاة علِم به حتى الكفار !

ومن أحب شيئا أكثر من ذِكره، وعُرِف به.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. رواه البخاري ومسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم يحب الزبد والتمر. رواه أبو داود.

وما هذه إلا أمثلة لا يُراد بها الحصر.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه:

هل نجد الشعور الذي وجده أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أحب ما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعاً لمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.

---------------
8.صلى الله عليه وسلم



سلمان بن فهد العودة



لم يكتب لأحدٍ من البشر من الأثر والخلود والعظمة ما كتب لصاحب النسب الشريف - صلى الله عليه وسلم-.

ولقد دونت في سيرته الكتب، ودبجت في مديحه القصائد، وعمرت بذكره المجالس، وبقيت عظمته قمة سامقة لا تطالها الظنون.

تقلبت به صروف الحياة من قوة وضعف، وغنى وفقر، وكثرة وقلة، ونصر وهزيمة، وظعن وإقامة، وجوع وشبع، وحزن وسرور، فكان قدوة في ذلك كله، وحقق عبودية الموقف لربه كما ينبغي له.

ظل في مكة ثلاث عشرة سنة، وما آمن معه إلا قليل، فما تذمّر ولا ضجر، وجاءه أصحابه يشتكون إليه ويسألونه الدعاء والاستنصار فحلف على نصر الدين وتمام الأمر، وأنكر عليهم أنهم يستعجلون، فكان الأمر كما وعد، علماً من أعلام نبوته، ونصراً لأمر الله، لا للأشخاص.

وكان من نصره أن تأتيه وفود العرب من كل ناحية مبايعة على الإسلام والطاعة فما تغير ولا تكبّر، ولا انتصر لنفسه من قوم حاربوه وآذوه وعاندوا دينه.

كما كان يقول أبو سفيان بن الحارث:



لعـــــمرك إني يوم أحمل راية *** لتغــلب خيل اللات خيل محمدِ

لكـــالمدلج الــحيران أظلم ليله *** فهذا أواني حين أهدى وأهتدي

هـداني هــــادٍ غير نفسي ودلني *** عـلى الله من طردته كل مطرد

وما حملت من ناقة فوق ظهرها *** أبر وأوفى ذمــــة من محــــمد



فاستل العداوات، ومحا السخائم، وألّف القلوب، وأعاد اللُّحمة، وعرف عدوُّه قبل صديقه أنها النبوة، وأنه لم يكن صاحب طموح شخصي ولا باني مجد ذاتي، وإن كان الطموح والمجد لبعض جنوده.

تعجب من عفويته وقلة تكلفه في سائر أمره، واحتفاظ شخصيته بهدوئها وطبيعتها وتوازنها مهما تقلبت عليها الأحوال، واختلفت عليها الطرائق.

قل إنسان إلا وله طبعه الخاص الذي يبين في بعض الحال ويستتر في بعض، ويترتب عليه استرواح لقوم دون آخرين، ويحكم العديد من مواقفه وتصرفاته حاشاه -صلى الله عليه وسلم-.

فهو يُقْبِل بوجهه على كل جليس، ويخاطب كل قوم بلغتهم، ويحدثهم بما يعرفون، ويعاملهم بغاية اللطف والرحمة والإشفاق، إلا أن يكونوا محاربين حملوا السلاح في وجه الحق، وأجلبوا لإطفاء نوره وحجب ضيائه.

كل طعام تيسر من الحلال فهو طعامه، وكل فراش أتيح فهو وطاؤه، وكل فرد أقبل فهو جليسه.

ما تكلف مفقوداً، ولا رد موجوداً، ولا عاب طعاماً، ولا تجنب شيئاً قط لطيبه، لا طعاماً ولا شراباً ولا فراشاً ولا كساءً، بل كان يحب الطيب، ولكن لا يتكلفه.

سيرته صفحة مكشوفة يعرفها محبوه وشانئوه، ولقد نقل لنا الرواة دقيق وصف بدنه، وقسمات وجهه، وصفة شعره، وكم شيبة في رأسه ولحيته، وطريقة حديثه، وحركة يده، كما نقلوا تفصيل شأنه في مأكله، ومشربه، ومركبه، وسفره، وإقامته، وعبادته، ورضاه، وغضبه، حتى دخلوا في ذكر حاله مع أزواجه أمهات المؤمنين في المعاشرة، والغسل، والقسم، والنفقة، والمداعبة، والمغاضبة، والجد، والمزاح، وفصلوا في خصوصيات الحياة وضروراتها.

ولعمر الله إن القارئ لسيرته اليوم ليعرف من تفصيل أمره ما لا يعرفه الناس عن متبوعيهم من الأحياء، ومالا يعرفه الصديق عن صديقه، ولا الزوج عن زوجه، ولا كان أهل الكتاب يعرفونه شيئاً يقاربه أو يدانيه عن أنبيائهم وهم أحياء ؛ وذلك لتكون سيرته موضع القدوة والأسوة في كل الأحوال، ولكل الناس.

فالرئيس والمدير والعالم والتاجر والزوج والأب والمعلم والغني والفقير...

كلهم يجدون في سيرته الهداية التامة على تنوع أحوالهم وتفاوت طرائقهم.

والفرد الواحد لا يخرج عن محل القدوة به -صلى الله عليه وسلم- مهما تقلبت به الحال، ومهما ركب من الأطوار، فهو القدوة والأسوة في ذلك كله.

وإنك لتقرأ سيرة علم من الأعلام فتندهش من جوانب العظمة في شخصيته فإذا تأملت صلاحيتها للأسوة علمت أنها تصلح لهذا العلم في صفته وطبعه وتكوينه، ولكنها قد لا تصلح لغيره.

ولقد يرى الإنسان في أحوال السالفين من الجلد على العبادة، أو على العلم، أو على الزهد ما يشعر أنه أبعد ما يكون عن تحقيقه حتى يقول لنفسه:

لا تـــعرضن لذكرنا مع ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ

فإذا قرأ سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحس بقرب التناول وسهولة المأخذ، وواقعية الاتباع.

حتى لقد وقع من بعض أصحابه ما وقع فقال لهم: ((أنا أخشاكم لله، وأتقاكم له، وأعلمكم بما أتقى)).

وقال: ((اكلفوا من العمل ما تطيقون)).

وقال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا)).

ولهذا كان خير ما يربى عليه السالكون مدارسة سيرته وهديه وتقليب النظر فيها وإدمان مطالعتها واستحضار معناها وسرها، وأخذها بكليتها دون اجتـزاء أو اعتساف.

إن الله -عز وتعالى- لم يجعل لأحد وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المنصب الشريف: منصب القدوة والأسوة ؛ لأنه جمع هدى السابقين الذين أمر أن يقتدي بهم " فبهداهم اقتده " إلى ما خصه الله -تعالى- وخيَّره به من صفات الكمال ونعوت الجمال، ولهذا قال -سبحانه-: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}.

إن حياته -صلى الله عليه وسلم- وحياة خلفائه الراشدين هي المذكرة التفسيرية والترجمة العلمية لنصوص الشريعة.

ومن الخير أن تظل هذه السيرة بواقعيتها وصدقها محفوظة من تزيد الرواة، ومبالغات النقلة التي ربما حولتها إلى ملحمة أسطورية تعتمد على الخوارق والمعجزات، وبهذا يتخفف الناس من مقاربتها واتباعها ليكتفوا بقراءتها مع هزِّ الرؤوس وسكب الدموع وقشعريرة البدن.

إن الآيات التي تأتي مع الأنبياء حق، لكنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، والقاعدة هي الجريان مع السنن الكونية كما هي.

وكثيرون من المسلمين، وربما من خاصتهم يستهويهم التأسي بالأحوال العملية الظاهرة في السلوك والعبادة وغيرها، فيقتدون به -صلى الله عليه وسلم- في صلاته: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، وحجّه ((خذوا عني مناسككم)) وسنن اللباس والدخول والخروج

وهذا جزء من الاتباع المشروع، بيد أنه ليس كله، ولا أهم ما فيه، فإن اتباع الهدي النبوي في المعاملة مع الله تعالى، والتجرد والإخلاص، ومراقبة النفس، وتحقيق المعاني المشروعة من الحب والخوف والرجاء أولى بالعناية وأحق بالرعاية، وإن كان ميدان التنافس في هذا ضعيفاً ؛ لأن الناس يتنافسون عادة- فيما يكون مكسبة للحمد والثناء من الأمور الظاهرة التي يراها الناس، ولا يجدون الشيء ذاته في الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله، وربما تحرى امرؤ صفة نبوية في عبادة أو عمل واعتنى بها وتكلف تمثلها فوق المشروع، دون أن يكلف نفسه عناء التأمل في سر هذه الصفة وحكمتها وأثرها في النفس.

وهذه المسائل، حتى التعبدية منها ؛ ما شرعت إلا لمنافع الناس ومصالحهم العاجلة والآجلة، وليست قيمتها في ذاتها فحسب، بل في الأثر الذي ينتج عنها فيراه صاحبه ويراه الآخرون.

وإنه لخليق بكل مسلم أن يجعل له ورداً من سيرة المصطفى -عليه السلام-، إن كان ناشئاً فمثل (بطل الأبطال) لعزام، وإن كان شاباً فمثل (الشمائل المحمدية) لابن كثير أو الترمذي، و (الفـصول) لابـن كثير، أو (مختصر السـيرة) أو (الرحيق المختوم) أو (تهذيب سيرة ابن هشام) وإن كان شيخاً فمثل (سيرة ابن هشام) أو (ابن كثير) وإن كان متضلعاً بالمطولات فمثل (سبل الهدى والرشاد) وكتاب (نضرة النعيم).

رزقنا الله حب نبيه وحسن اتباعه ظاهراً وباطناً وحشرنا في زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

---------------
9.خصائص النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم



ماجد المبارك



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبده ورسوله أما بعد.

فموضوعي هذا عن خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك أن معرفة ما يتعلق به واجب علينا وأن نعرف له حقه وأن نعرف له منزلته وقدره. وذلك كله داخل في إيماننا بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم.

فخصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي ما اختصه الله عز وجل بها وفضله على سائر الأنبياء والمرسلين والخلق. ومعرفة هذه الخصائص تزيدنا في معرفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتجعلنا نحبه ويزداد إيماننا به فنزداد له تبجيلاً ونزداد له شوقا. ومن خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها:

ما اختص بها في ذاته في الدنيا. ومنها ما اختص بها في ذاته في الآخرة.

ومنها ما اختصت به أمته في الدنيا ومنها ما اختصت به أمته في الآخرة.

قال تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً} [النساء: 113] وقال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} [البقرة: 253].

التفضيل الأول صريح في المفاضلة، والثاني في تضعيف المفاضلة بدرجات وقد فضل الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم من وجوه. ومن هذه الخصائص خصيصة عجيبة وهي:

1- أن الله عز وجل أخذ الميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام أنه إذا ظهر النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عهده وبعث أن يؤمن به ويتبعه ولا تمنعه نبوته أن يتابع نبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتابعوه ولا يتابعوا نبيهم. والدليل قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} [آل عمران: 81].

2- أنه ساد الكل، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) [رواه ابن حبان] والسيّدُ من اتصف بالصفات العليّة، والأخلاق السنيّة. وهذا مشعرّ بأنه أفضل منهم في الدارين، أمّا في الدنيا فلما اتصف به من الأخلاق العظيمة. وأمّا في الآخرة فلأن الجزاء مرتبُ على الأخلاق والأوصاف، فإذا كان أفضلهم في الدنيا في المناقب والصفات، كان أفضلهم في الآخرة في المراتب والدرجات. وإنما قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) ليخبر أمتُه عن منزلته من ربه عزّ وجل، ولّما كان ذكر مناقب النفس إنما تذكر افتخاراً في الغالب، أراد صلى الله عليه وسلم أن يقطع وهم من توهم من الجهلة أن يذكر ذلك افتخاراً قال: ((ولا فخر)).

3- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر)).

4- ومنها أن الله تعالى أخبره بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال الله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا . ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} الآيه [الفتح: 1، 2]. ولم ينقل أنه أخبر أحداً من الأنبياء بمثل ذلك، بل الظاهر أنه لم يخبرهم، لأن كل واحد منهم إذا طُلبَتْ منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها وقال: ((نفسي نفسي)) ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته لم يُوْجل منها في ذلك المقام، وإذا استشفعت الخلائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام قال: ((أنا لها)).

5- ومنها إيثاره صلى الله عليه وسلم على نفسه، إذ جعل لكل نبي دعوة مستجابة، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا، واختبأ هو صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته.

6- ومنها أن الله تعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال: ((لعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون)) [الحجر: 72]. والإقسام بحياة المقسم بحياته يدل على شرف حياته وعزتها عند المقُسم بها ن وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها من البركة العامة والخاصة، ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه وسلم.

7- ومنها أن الله تعالى وقره ففي ندائه، فناداه بأحب أسمائه واسني أوصافه فقال: {يا أيها النبي} [الأنفال: 64، 65، 70 ومواضع أخرى]، {يا أيها الرسول} [المائدة: 41، 67] وهذه الخصيصة لم تثبت لغيره، بل ثبت أن كلاً منهم نودي باسمه، فقال تعالي: {يا آدم اسكن} [البقرة: 35]، {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك} [المائدة: 110]، {يا موسى إني أنا الله} [القصص: 30]، {يا نوح اهبط بسلام} [هود: 48]، {يا داود إنا جعلناك خليفة ً في الأرض} [ص: 29] {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} [الصافات: 105]، {يا لوط أنا رُ سُلُ ربك} [هود: 81]، {يا زكريا إنا نبشرك} [مريم: 7]، {يا يحيى خذ الكتاب} [مريم: 12] ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دَعى أحد عبيده بأفضل ما وجد يهم من الأوصاف العليّة والأخلاق السنيّة، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يُشعر بوصف من الأوصاف، ولا بخلق من الأخلاق، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم. وهذا معلومٌ بالعرف أن من دُعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كل ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه.



8- ومنها أن معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت، ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم باقية إلى يوم الدين.

9- ومنها تسليم الحجر عليه وحنين الجذع إليه ولم يثبت لواحد من الأنبياء مثل ذلك.

10- ومنها أنه وجد في معجزاته ما هو أظهر ففي الإعجاز من معجزات غيره، كتفجير الماء من بين أصابعه فإنه أبلغ في خرق العادة من تفجيره من الحجر، لأن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء، وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من انفجار الحجر لموسى عليه السلام.

11 - ومنها أن الله تعالى يكتب لكل نبي من الأنبياء من الأجر بقدر أعمال أمته وأحوالها وأقوالها، وأمتُه شطر أهل الجنة، وقد أخبر الله تعالى أن أمته خير أمة أخرجت للناس وإنما كانوا خير الأمم لما اتصفوا به من المعارف.

12- ومنها أن الله أرسل كل نبي إلى قومه خاصة وأرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا صلى الله عليه وسلم ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه، تارة لمباشرة الإبلاغ، وتارة بالنسبة إليه ولذلك تمنن عليه بقوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} [الفرقان: 51]، ووجه التمنن: أنه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته.

13- ومنها أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام بالطور، وبالوادي المقدس، وكلم نبينا صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى.

14- ومنها أنه قال: ((نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق، ونحن أول من يدخل الجنة)) [أخرجه مسلم].

15- ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يرغب إليه الخلق كلهم يوم القيامة، حتى إبراهيم.

16- ومنها أنه قال: ((الوسيلة منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة)) [أخرجه مسلم].

17- ومنها أنه يدخل من أمته إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب، ولم يثبت ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم.

18- ومنها: الكوثر الذي أعطيه ففي الجنة، والحوض الذي أعطيه في الموقف.

19- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون)) الآخرون زماناً، السابقون بالمناقب والفضائل.

20- ومنها أنه أحلت له الغنائم ولم تحل لأحد قبله. وجعلت صفوف أمته كصفوف الملائكة، وجعلت له الأرض مسجداً، وترابها طهوراً. وهذه الخصائص تدل على علو مرتبته، والرفق بأمته.

21- ومنها أن الله تعالى أثنى على خلقه فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4]، واستعظام العظماء للشيء يدل على إيغاله في العظمة، فما الظن باستعظام أعظم العظماء؟.

22- ومنها أن الله تعالى كلمه بأنواع الوحي وهي ثلاثة أحدها: الرؤيا الصادقة. والثاني: الكلام من غير واسطة. والثالث: مع جبريل صلى الله عليه وسلم. وزاد الألباني النفث في الروع.

23- ومنها أن كتابة صلى الله عليه وسلم مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة والإنجيل والزبور، وفضل بالمفصل.

24- ومنها أن أمته أقل عملاً ممن قبلهم، وأكثر أجراً كما جاء في الحديث الصحيح

25- ومنها أن الله عز وجل عرض عليه مفاتيح كنوز الأرض وخيرة أن يكون ملكاً أو نياً عبداً، فاستشار جبريل عليه السلام. فأشار إليه أن تواضع.

26- ومنها أن الله تعالى أرسله (رحمة ً للعالمين)، فأمهل عصاه أمته ولم يعاجلهم إبقاء عليهم، بخلاف من تقدمه من الأنبياء إنهم لما كذبوا عُوجل مكذبهم.

وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم في حلمه وعفوه وصفحه وصبره وشكره ولينه في الله، وانه لم يغضب لنفسه، وأنه جاء بإتمام مكارم الأخلاق، وما نقل من خشوعه وخضوعه وتبتله وتواضعه ففي مأكله، وملبسة، ومشربه، ومسكنه ن وجميل عشرته، وكريم خليقته، وحسن سجيته، ونصحه لأمته وحرصه على إيمان عشيرته، وقيامه بأعباء رسالته في نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، وما لقيه من أذى قومه وغيرهم في وطنه وغربته بعض هذه المناقب موجودة في كتاب الله وكتب شمائله. ومنها كتاب الشمائل للترمذي.

27- أما لينه ففي قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [آل عمران: 159].

28- وأما شدته على الكافرين، ورحمته على المؤمنين ففي قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].

29- وأما حرصه على إيمان أمته، ورأفته بالمؤمنين، وشفقته على الكافة ففي قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم} [التوبة: 128] أني يُشق عليه ما يشق عليكم، {حريص عليكم}، أي إيمانكم {بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

30- وأما نصحه في أداء رسالته ففي قوله تعالى: {فتول عنهم فما أنت بملوم} [الذاريات: 54] أي فما أنت بملوم لأنك بلغتهم فأبرأت ذمتك.

31- ومنها أن الله تعالى أمته منزل العدول من الحكام، فإن الله تعالى إذا حكم بين العباد فجحدت الأمم بتبليغ الرسالة أحضر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون على الناس بأن رسلهم أبلغتهم وهذه الخصيصة لم تثبت لأحد من الأنبياء.

32- ومثلها عصمة أمته بأنها لا تجتمع على ضلالة في فرع ولا في أصل.

33- ومثلها حفظ كتابه، قل لو اجتمع والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة، أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك، ولا يخفى ما وقع من التبديل في التوراة والإنجيل.

34- ومنها أنه بعث بجوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصاراً وفاق العرب في فصاحته وبلاغته.

كما قال عليه الصلاة والسلام: ((أعطيت فواتح الكلم، وجوامعه وخواتمه)) [في الصحيحين].

هذا ما يسره الله لي من جمع لبعض خصائص أفضل المخلوقين ونسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لإتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سننه وطريقته وجميع أخلاقه الظاهرة والباطنة وأن يجعلنا من حزبه وأنصاره ومن أهل حوضه. إن الله على كل شيء قدير و بالإجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

* * *

المراجع:

الخاصية الأولى من شريط الشيخ محمد بن صالح المنجد في شريط بعنوان خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما بقية الخصائص فهي من كتاب [بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم] للعلامة [العز بن عبدالسلام ـ رحمه الله] تحقيق حجة الحديث [محمد بن ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله].

---------------
10.حريص عليكم...



عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

وصفه ربُّـه بذلك:

فقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}

هذا من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن.

{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} يشق عليه ما يشقّ عليكم، وما يُسبب لكم العَـنت، وهو الحرج والمشقـّـة.

{حَرِيصٌ عَلَيْكُم}

وسبب ذلك الحرص رحمته بالمؤمنين ورأفته بهم.

وقد جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم:

{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}

ولعلي أستعرض شيئا من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته.

فمن صور حرصه صلى الله عليه وسلم:

حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة:

قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء فقال: فيأتونني فأقول أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي...))الحديث. رواه البخاري ومسلم.

ودعوى الأنبياء يومئذٍ: (اللهم سلـّـم سلـّـم).

قال أبو عبدالرحمن السلمي في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

قال رحمه الله :

انظر هل وصف الله عز وجل أحدا من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي وصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم؟ ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس بأنفسهم كيف يدع نفسه ويقول: أمتي أمتي. يرجع إلى الشفقة عليهم. اهـ.

حرصه على هداية أمته:

قال عليه الصلاة والسلام لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} وقول عيسى عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فرفع يديه وقال: ((اللهم أمتي أمتي)) وبكى، فقال الله عز وجل: ((يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك)). رواه مسلم.

حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس أجمع:

كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. رواه البخاري.

مع أنه غلام يهودي، ولم يعد خادما للنبي صلى الله عليه وسلم، لكنه الحرص على هداية الخلق.

حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم المشقـّة عليهم في التكاليف:

في الصلاة:

لما فـُرضت الصلاة على أمته خمسين صلاة، استشار موسى عليه الصلاة والسلام، فقال موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم.

فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُراجع ربّه حتى خفف الله عن هذه الأمة فصارت خمس صلوات.

ولما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي. رواه مسلم

ولما صلى في رمضان، وصلى رجال بصلاته، ترك القيام في الليلة الثالثة أو الرابعة، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. متفق عليه.

في الحج:

لما قال عليه الصلاة والسلام: ((أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا))، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)). رواه مسلم.



في السنن:

قال صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)). رواه البخاري ومسلم.

شفقته بنساء أمته:

قال عليه الصلاة والسلام: ((إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمـِّـه)). رواه البخاري.

حرصه على مراعاة نفسيات أصحابه:

قال عليه الصلاة والسلام: ((لولا أن أشق على المؤمنين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي)). رواه البخاري ومسلم.

حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب أمته:

حدّث مالك بن الحويرث رضي الله عنه فقال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا - فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عن من تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ((ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم)). متفق عليه.

فاللهم صلِّ وسلّم وزد وأنعم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيّـاً عن أمته.

اللهم احشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة.

---------------
11.{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر}




عبدالله البصري



أما بَعدُ، فأُوصِيكُم ـ أيها الناسُ ـ ونفسي بتقوى اللهِ ـ جل وعلا ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجعَل لَّكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.



أيها المسلمون، ومِن فَضلِ اللهِ ـ جل وعلا ـ ورحمتِهِ بِعِبادِهِ، أَنْ بَعَثَ إِلَيهِم رُسُلَهُ يخُرجِونهم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ

لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} وكان تمامُ هذِهِ النِّعمَةِ وكَمَالهَا، وتَاجَهَا وَوِسَامَ فَخرِها، خَاتمَ الأَنبِيَاءِ وَأَشرَفَ المُرسَلِينَ، وَسَيِّدَ وَلَدِ

آدَمَ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، نَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا محمدًا ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ، الذي امتنَّ اللهُ عَلَينَا بِبِعثَتِهِ، وَأَنعَمَ عَلَينَا بِرِسَالَتِهِ، قال ـ سبحانَه ـ: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى

المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِم يَتْلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُم

رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ: ((إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنبِيَاءِ مِن قَبلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ

بنى بَيتًا فَأَحسَنَهُ وَأَجمَلَهُ، إِلا مَوضِعَ لَبِنَةٍ مِن زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطوفُونَ بِهِ وَيَعجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وَضَعْتَ هذِهِ اللَّبِنَةَ)) قال: ((فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنا خَاتمُ النَّبِيِّينَ)).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:09 pm

خَاتمُ النَّبِيِّينَ)).

جَهلاءَ، يَتِيهُونَ في الضَّلالِ وَالشَّقَاءِ، يَعبُدُونَ الأَصنَامَ ويَستَقسِمُونَ بِالأَزلامِ، قَدِ استَحَلُّوا المَيسِرَ وَالرِّبا، وَعَاقَرُوا الخَمرَ وَالزِّنا، يَئِدُونَ البَنَاتَ وَلا يُوَرِّثُونَ الزَّوجَاتِ، فَفَتَحَ اللهُ بِبِعثَتِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ أَعُينًا عُميًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلفًا، وَهَدَى بِهِ مِنَ العَمَى وَبَصَّرَ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ، فَأَشرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِ رَبِّها وَصَلَحَت حَالُها، وَعَرَفَ النَّبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَاتَّبَعَهُ وَآمَنَ بِهِ، مَن أَنَارَ اللهُ بَصِيرَتَهُ وَوَفَّقَهُ وَشَرَحَ صَدرَهُ، بل حتى البَهَائِمُ وَالعَجمَاوَاتُ وَالجَمَادَاتُ، أَقَرَّت بِخَيرِ البرِيَّةِ واعترفت بأزكى البَشَرِيَّةِ، فَهَابَتْهُ وَوَقَّرَتْهُ وَتَأَدَّبَتْ لَه، وَسَلَّمَتْ عَلَيهِ وَحَنَّتْ إِلَيهِ، وَخَضَعَتْ لَه وَبَكَتْ بَينَ يَدَيهِ، وَانقَادَت لَه وَأَطَاعَت أَمرَهُ.

فَعَن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: أَقبَلْنَا مَعَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ حتى دَفَعْنَا إلى حائِطٍ في بني النَّجَّارِ، فَإِذَا فِيهِ جملٌ لا يَدخُلُ الحائِطَ أَحَدٌ إِلا شَدَّ عَلَيهِ، فَذَكَرُوا ذلك للنبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فَأَتَاهُ فَدَعَاهُ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشفَرَهُ عَلَى الأَرضِ حتى بَرَكَ بَينَ يَدَيهِ، فقال: هاتُوا خِطَامًا، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إلى صَاحبِهِ، ثم التَفَتَ فقال: ((ما بَينَ السَّمَاءِ إِلى الأَرضِ أَحَدٌ إِلا يَعلَمُ أَني رَسولُ اللهِ، إِلا عاصِي الجِنِّ وَالإِنسِ)).

وعن عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: أَردَفَني رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ خَلفَهُ ذَاتَ يَومٍ، فَأَسَرَّ إِليَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحدًا مِنَ النَّاسِ، وَكانَ أَحَبُّ ما استَتَرَ بِهِ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَو حَائِشَ نخلٍ، قال: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنصَارِ، فَإِذَا جملٌ، فَلَمَّا رَأَى النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَينَاهُ، فَأَتَاهُ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتْ، فقال: ((مَن رَبُّ هذا الجمَلِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟)) فجاء فتىً مِنَ الأَنصَارِ، فقال: لي يا رَسولَ اللهِ، فقال: ((أَفلا تَتَّقِي اللهَ في هذِهِ البَهِيمَةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ)).

وعن عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قالت: كان لآلِ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لَعِبَ وَاشتَدَّ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ قَد دَخَلَ رَبَضَ، فَلَم يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ في البيتِ كَرَاهِيَةَ أَن يُؤْذِيَهُ.

وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: سِرْنا مَعَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ حتى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفيَحَ. فَذَهَبَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ يَقضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِأَدَاوَةٍ مِن مَاءٍ. فَنَظَرَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فَلَم يَرَ شَيئًا يَستَتِرُ بِهِ. فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الوَادِي. فَانطَلَقَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ إِلى إِحدَاهما، فَأَخَذَ بِغُصنٍ مِن أَغصَانِها. فقال: ((انقَادِي عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ)) فَانقَادَت مَعَهُ كَالبَعِيرِ المَخشُوشِ الذي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حتى أَتَى الشَّجَرَةَ الأُخرَى، فَأَخَذَ بِغُصنٍ مِن أَغصَانِها، فقال: ((انقَادِي عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ)) فَانقَادَت مَعَهُ كذلك. حتى إِذَا كان بِالمَنصَفِ ممَّا بَينَهُمَا، لأَمَ بَينَهُمَا (يَعني جمعَهُمَا) فقال: ((اِلتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذنِ اللهِ)) فَالتَأَمَتَا. قال جابرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ (أَيْ أَعدُو وَأَسعَى سَعيًا شَدِيدًا) مَخَافَةَ أَن يُحِسَّ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ بِقُربي فَيَبتَعِدَ، فَجَلَستُ أُحَدِّثُ نَفسِي، فَحَانَت مِنِّي لَفتَةٌ، فَإِذَا أَنا بِرَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ مُقبِلا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افتَرَقَتَا، فَقَامَت كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا عَلَى سَاقٍ".

وعنه ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: كان النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ يَقُومُ إلى جِذْعٍ قَبلَ أَن يُجعَلَ لَهُ المِنبَرُ، فَلَمَّا جُعِلَ المِنبَرُ حَنَّ الجِذعُ حتى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، فَمَسَحَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ يَدَهُ عَلَيهِ فَسَكَنَ. وعن جابرِ بنِ سَمُرَةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: قال رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ: ((إِنِّي لأَعرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كان يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبلَ أَن أُبعَثَ، إِنِّي لأَعرِفُهُ الآنَ)).

وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: كُنتُ مَعَ النبيِّ بمكةَ، فَخَرَجْنَا في بَعضِ نَوَاحِيها، فَمَا استَقبَلَهُ جَبَلٌ ولا شَجَرٌ إلا هو يَقُولُ: السَّلامُ عَلَيكَ يَا رَسولَ اللهِ. ولمَّا هَاجَرَ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ إلى المدينةِ، وكانت مِن أَوبَأِ أَرضِ اللهِ، فَصَحَّحَهَا اللهُ بِبَرَكَةِ حُلُولِهِ بها وَدُعائِهِ لأَهلِهَا، حَيثُ دَعَا ـ عليه السلامُ ـ رَبَّهُ أَن يُذهِبَ حُمَّاهَا إِلى الجُحفَةِ، فَاستَجَابَ اللهُ له ذلك..

وعن أنسٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: لمَّا كان اليَومُ الذي دَخَلَ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فِيهِ المَدِينَةَ، أَضَاءَ مِنها كُلُّ شَيءٍ، فَلَمَّا كان اليَومُ الذي مَاتَ فِيهِ، أَظلَمَ منها كُلُّ شَيءٍ... اللهُ أَكبرُ ـ أيها المسلمون ـ كُلُّ شَيءٍ يَعرِفُ رَسُولَ اللهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ وَيُحِبُّهُ، كُلُّ شَيءٍ يُؤمِنُ بِنُبُوَّتِهِ وَيُقِرُّ بِرِسالتِهِ، إِلا مَن أَرَادَ اللهُ ضَلالَتَهُم مِن أَشقِيَاءِ بَني الإِنسانِ، فَلَم يَزَالُوا مُنذُ مَبعَثِهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ ضَائِقَةً بِهِ صُدُورُهُم، غَاصَّةً بِهِ نُحُورُهُم، يَكِيدُونَ لَهُ وَيَمكُرونَ بِهِ، وَيُدَبِّرُونَ المُؤَامَرَاتِ ضِدَّهُ وَيُؤذُونَهُ، سَخِرُوا مِنهُ وَاستَهزَؤُوا بما جاء به، واتَّهَمُوهُ بِالجُنُونِ والكَهَانَةِ، وَقَالُوا عَنه إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ، وَوَضَعُوا سَلا الجَزُورِ على ظَهرِهِ وهو سَاجِدٌ يُصَلِّي، وَرَمَوهُ بِالحِجارَةِ حَتى أَدمَوا عَقِبَيهِ، وَحَاصَرُوهُ في الشِّعبِ وَتَآمَرُوا لِقَتلِهِ، بَل لم يَزَالُوا به حتى أَخرجُوهُ مِن أَحَبِّ البِقَاعِ إِلَيهِ وَأَبعَدُوهُ عنها، وَمَنَعُوهُ مِن دُخُولِها لِعِبادَةِ رَبِّهِ وَزَيَارَةِ بَيتِهِ، ثم جَيَّشُوا الجُيُوشَ لِحَربِهِ وَجَابَهُوهُ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَّتَهُ وَشَجُّوا وجنَتَهُ وَأَدمَوا وَجهَهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وَتِلكَ سُنَّةُ اللهِ في إِخوانِهِ الذين خَلَوا مِن قَبلِهِ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، وَلَن تجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلا، وَلَن تجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تحويلا، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورًا، وَلَو شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفتَرُونَ} وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.

واليَومَ وفي ظِلِّ حَضَارَةِ الغَرْبِ النَّصرَانيِّ المُتَطَرِّفِ، والذي تَتَغَنَّى بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّمَدُّنِ عَوَاصِمُهُ، وَيَتَشَدَّقُ بِالمَعَاني الإِنسَانِيَّةِ مُثَقَّفُوهُ، وَيَدَّعِي الحُرِّيَّةَ وَالتَّسَامُحَ كُبَرَاؤُهُ، تَأَبى الحَقَائِقُ إِلا أَن تَتَكَشَّفَ يَومًا بَعدَ يَومٍ، لِتُظهِرَ مَا تُكِنُّهُ صُدُورُ أولئك القَومِ مِن كُرهٍ وَبَغضَاءَ، وَتُظهِرُ مَا يَنطَوُونَ عَلَيهِ مِن حِقدٍ وَشَحنَاءَ، فَتَتَمَادَى وَسَائِلُ إِعلامِهِم وَيَتَنَاوَبُ مِنهُم أَشخَاصٌ مَوتُورُونَ، على الاستِهزَاءِ بِرَسولِ اللهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ وَتَتَكَرَّرُ مِنهُم محاولاتُ الإِسَاءَةِ إِلَيهِ بِأَلفَاظٍ نَابِيَةٍ وَرُسُومٍ بَغِيضَةٍ كَاذِبَةٍ، مُعلِنِينَ ذلك على المَلأِ في صُحُفِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم، ضَارِبِينَ بِعُرضِ الحَائِطِ مَشَاعِرَ أَكثَرَ مِن أَلفِ مِليونِ مُسلِمٍ هُم أَتبَاعُهُ وَأَحبَابُهُ.

وَلَئِنْ سَاءَ المُسلِمِينَ وَقَطَّعَ قُلُوبَهُم، وَأَغَاضَهُم وَقَرَّحَ أَكبَادَهُم، ما نُشِرَ في تِلكَ الصُّحُفِ خِلالَ الأَشهُرِ الماضِيَةِ، فَإِنَّ مِن عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، أَنَّ اللهَ لم يَخْلُقْ شَرًّا مَحْضًا، بل كما قال ـ سبحانَه ـ: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فقد تَضَمَّنَ ذلك الشَّرُّ خَيرًا، وَأَظهَرَ ذلك السُّوءُ حُسنًا، وَلَو لم يَكُنْ إِلا أَنِ انكَشَفَتِ الحقِيقَةُ عَن وَجهِ الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ، وَظَهَرَ لِكُلِّ ذِي بَصَرٍ زَيفُ مَا تَتَشَدَّقُ بِهِ مِن حُبٍّ لِلسَّلامِ، وَبَانَت عَدَاوَةُ النَّصَارَى وَكَذِبُهُم فِيمَا يَزعُمُونَ مِن صَدَاقَةٍ وَمَوَدَّةٍ لِلمُسلِمِينَ، وَاتَّضَحَ أَنَّ مَن يَطلُبُ رِضَاهُم وَيَنشُدُ وُدَّهُم، مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَذوَةَ نَارٍ.

وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولُ: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} فَمَاذَا عَسَى المُغتَرُّونَ مِن قَومِنَا يَقُولُونَ؟ مَاذَا عَسَى أُغَيْلِمَةُ الصَّحَافَةِ وَسُفَهَاءُ الإِعلامِ يَكتُبُونَ؟ أَينَ الذين كانوا يُلمِّعُونَ الغَرْبَ تحتَ شِعَارِ (الآخَرِ) سَتْرًا لِلكَافِرِ؟! ألا إِنَّ الحقِيقَةَ قَد تجلَّتْ وَانكَشَفَتْ ! فَلْيَصمُتْ مَن كانوا يُنَادُونَ بِاحتِرَامِ (الآخَرِ) ! وَلْيَلْقَمْ حَجَرًا مَن كَانوا يَوَدُّونَ لَو صَمَتَ دُعَاةُ الإِسلامِ، مُنادِينَ بِـ (حُرِّيَّةِ الفِكرِ) بَل (حُرِّيَّةِ الكُفْرِ) ! إِذَا تَكَلَّمَ صَادِقٌ نَصَبُوا لَهُ العِدَاءَ، وَإِنْ تَبَجَّحَ كَافِرٌ سَكَتُوا وَكَأَنَّ الأَمرَ لا يَعنِيهِم. هَاهُو الكَافِرُ الذي سمَّوهُ (الآخَرَ) في مُحاوَلَةٍ لِتَميِيعِ المُصطَلَحَاتِ الشَّرعِيَّةِ، وَإِضعَافِ عقيدة البَرَاءِ في نُفُوسِ المُسلِمِينَ، هَا هُوَ ذلكم (الآخَرُ) يَتَطَاوَلُ على دِينِ اللهِ وَيَستَهزِئُ بِرَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فماذا عَسَاهُم فَاعِلِينَ؟

إِنَّ هذا (الآخَرَ) الذي تَوَدَّدَ لَهُ بَعضُ سُفَهَاءِ المُسلِمِينَ وَطَلَبُوا رِضَاهُ، لم يَقبَلْهُم مِن قَبلُ، وَلَن يَقبَلَهُم بَعدُ، لَن يُحِبَّهُم وَلَن يُقَدِّرَهُم، وَلَن يَذهَبَ ما في صَدرِهِ عَلَيهِم، حتى يجتَمِعَ الماءُ والنَّارُ، وَحتى يَلتَقِيَ الضَّبُّ وَالحُوتُ، ولا يُقَالُ هذا رَجمًا بِالغَيبِ وَلا ادِّعَاءً كَاذِبًا، بل هُوَ مَا أَخبرَ اللهُ بِهِ في مُحكَمِ كِتَابِهِ، إِذْ قَالَ ـ سبحانَه ـ: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ، وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيظِكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} إنها عَدَاوَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ وَإِحَنٌ مُنعَقِدَةٌ، لا يُذهِبُها زَمَانٌ ولا يُعالِجُها دَوَاءٌ، وَلا تَهدَأُ مَهمَا قَدَّمَ المسلمون مِن تَنَازُلاتٍ عَن دِينِهِم أَو مَيَّعُوا أَحكَامَ عَقِيدَتِهِم.

وَممَّا يُستَفَادُ مِن هَذِهِ الأَحدَاثِ ـ أيها المسلمون ـ تميُّزُ الطَّيِّبِ مِنَ الخَبِيثِ، وَظُهُورُ الصَّادِقِ مِنَ الكَاذِبِ، قال ـ سبحانَه ـ: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، ثم إِنَّ في الغَربِ مُنصِفِينَ، فَقَد تُثِيرُهُم تِلكَ الحَملاتُ الشَّعوَاءُ وَتَحمِلُهُم على طَلَبِ الحَقَائِقِ، فَيَهدِي اللهُ مِنهُم رِجالاً وَنِسَاءً فَيَحمِلُونَ الإِسلامَ في بِلادِهِم، وَ((إِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ)).

وَمَا قِصَّةُ إِسلامِ حمزَةَ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ ـ رضي اللهُ عنه ـ عنَّا بِبَعِيدٍ، فقد كان سَبَبُ إِسلامِهِ استِخفَافَ أبي جَهلٍ بِرَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ إِذْ مَرَّ بِرَسولٍ اللهِ يَومًا عِندَ الصَّفَا، فَآذَاهُ وَنَالَ مِنهُ، وَرَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ سَاكِتٌ وَلا يُكَلِّمُهُ، ثم ضَرَبَهُ أَبُو جَهلٍ بِحَجَرٍ في رَأسِهِ فَشَجَّهُ، حتى نَزَفَ مِنهُ الدَّمُ، ثم انصَرَفَ عنه إلى نادِي قُرَيشٍ عِندَ الكَعبَةِ، فَجَلَسَ مَعَهُم، وَكَانَت مَولاةٌ لِعَبدِاللهِ بنِ جدعانَ في مَسكَنٍ لها على الصَّفَا تَرَى ذلك، وَأَقبَلَ حمزَةُ مِنَ القَنصِ مُتَوَشِّحًا قَوسَهُ، فَأخَبرتْهُ المَولاةُ بما رَأَت مِن أَبي جَهلٍ، فَغَضِبَ وَخَرَجَ يَسعَى، لم يَقِفْ لأَحَدٍ حتى دَخَلَ المَسجِدَ وَفِيهِ أَبو جَهلٍ، فَقَامَ على رَأسِهِ، وقال له: يَا مُصفِرَ استِهِ، تَشتُمُ ابنَ أَخِي وَأَنَا على دِينِهِ؟ ثم ضَرَبَهُ بِالقَوسِ فَشَجَّهُ شَجَّةً مُنكَرَةً، فَثَارَ رِجَالٌ مِن بني مخزُومٍ، وَثَارَ بَنُو هاشِمٍ، فَقَالَ أَبو جَهلٍ: دَعُوا أَبَا عِمَارَةَ، فَإِني سَبَبْتُ ابنَ أَخِيهِ سَبًّا قَبِيحًا.

ثم شَرَحَ اللهُ صَدرَ حمزَةَ للإِسلامِ، فَاستَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى، واعتَزَّ بِهِ المسلمون أَيَّمَا اعتِزَازٍ، وكان إِسلامُهُ نَصرًا عَظِيمًا للإِسلامِ، وَكَانَت تِلكَ المَسَبَّةُ وذلك الاستخفافُ مِن أبي جَهلٍ، سَبَبًا في النَّكبَةِ وَالخِزيِ وَالذُّلِّ لِلطُّغَاةِ المُعتَدِينَ.

وَإِنَّا لَنَرَى أَنَّ هذا الاستِخفَافَ وَالاستِهزَاءَ مِن هؤلاءِ الطُّغَاةِ في صُحُفِهِم وَوَسَائِلِ إِعلامِهِم، لَبِدَايَةُ نَصرٍ لِلإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ، وَإِنَّ بَشَائِرَ النَّصرِ لَتَلُوحُ في الأُفُقِ... وإِنَّ مَا يُقالُ أَو يُثَارُ ضِدَّ الإِسلامِ أَو ضِدَّ نَبيِّهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ لَيَسُوءُ كُلَّ مُسلِمٍ وَيُحزِنُهُ ويُغضِبُهُ.. إِلا أَنَّ هذَا الشَّرَّ لا يَخلُو مِن خَيرٍ، هُم يُريدُون أَمرًا، وَالله يُرِيدُ أَمرًا {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ، وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ}.

لَقَد دَبَّرَ أَسلافُهُم مِن قَبلِهِم وَمَكرُوا، وَأعمَلُوا أَفكَارَهُم وَخَطَّطُوا، وَأَجَالُوا آرَاءَهُم وَتَآمَرُوا، وَابتَغَوُا الفِتنَةَ وَقَلَّبُوا الأُمُورَ، وَاستَهزَؤُوا وَخَاضُوا، فَأَبْطَلَ اللهُ سَعيَهُم، وَرَدَّ كَيدَهُم في نحُورِهِم، وحَاقَ بهم مَكرُهُم، وَنَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ دِينَه، قال ـ سبحانَه ـ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} وقال تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.

* * *

أما بعدُ، فاتَّقُوا اللهَ تعالى وأطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنهيَهُ ولا تَعصُوهُ.

أيها المسلمون، إِنَّهُ وَإِنِ استَهزَأَت صُحُفٌ غَربِيَّةٌ بِالحَبِيبِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَسَخِرَت مِنهُ، فَإِنَّ ذلك لَحَسرَةٌ عَلَيهِم مَا بَعدَهَا حَسرَةٌ، وَبُؤسٌ لهم مَا بَعدَهُ بُؤسٌ، إِنَّهُ لَمُؤذِنٌ بِخَرَابِ دِيَارِهِم وَتَمَزُّقِ مُلكِهِم وَذَهَابِ دَولَتِهِم، وَصَدَقَ اللهُ إِذْ يَقُولَ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ، مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}.

لَقَد بَعَثَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ رَسَائِلَ إلى كِسرَى مَلِكِ الفُرسِ وَإِلى قَيصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَكِلاهما لم يُسْلِمْ ولم يَتَّبِعِ الهُدَى، لَكِنَّ قَيصَرَ أَكرَمَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَأكرَمَ رَسولَهُ، فَثَبَتََ مُلكُهُ، وَاستَمَرَّ في الأَجيَالِ اللاحِقَةِ، وَأَمَّا كِسرَى فَمَزَّقَ كِتَابَ رَسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ واستَهزَأَ بِهِ، فَقَتَلَهُ اللهُ بَعدَ قَلِيلٍ، وَمَزَّقَ مُلكَهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، ولم يَبقَ للأَكَاسِرَةِ مُلكٌ ولم تَقُمْ لهم قَائِمَةٌ.

فَأَبشِرُوا ـ أيها المسلمون ـ وَتَفَاءَلُوا، ولا تَيأَسُوا مِن نَصرِ اللهِ وَلا تَقنَطُوا، فَإِنها قَضِيَّةُ وَقتٍ لا أَقَلَّ وَلا أَكثَرَ، يَقُولُ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ ـ رحمه اللهُ ـ: إِنَّ اللهَ مُنتَقِمٌ لِرَسولِهِ ممَّن طَعَنَ عَلَيهِ وَسَبَّهُ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكَاذِبِ، إِذَا لم يُمكِنِ النَّاسَ أَن يُقِيمُوا عَلَيهِ الحَدَّ، وَنَظِيرُ هذا ما حَدَّثَنَاهُ أَعدَادٌ مِنَ المُسلِمِينَ العُدُولِ، أَهلِ الفِقهِ وَالخِبرَةِ، عَمَّا جَرَّبُوهُ مَرَّاتٍ متعددةٍ، في حَصْرِ الحُصُونِ وَالمَدَائِنِ التي بِالسَّوَاحِلِ الشَّامِيَّةِ، لمَّا حَصَرَ المسلمون فيها بَني الأَصفَرِ في زَمانِنا، قالوا: كُنَّا نحنُ نَحْصُرُ الحِصْنَ أَوِ المدينةَ الشَّهرَ أَو أَكثَرَ مِنَ الشَّهرِ وَهُو ممتَنِعٌ عَلَينَا، حتى نَكَادُ نَيأَسُ مِنهُ، حتى إِذَا تَعَرَّضَ أَهلُهُ لِسَبِّ رَسولِ اللهِ وَالوَقِيعَةِ في عِرضِهِ، تَعَجَّلْنَا فَتحَهُ وَتيَسَّرَ، وَلم يَكَدْ يَتَأَخَّرُ إِلا يَومًا أَو يَومَينِ أَو نحوَ ذَلك، ثم يُفتَحُ المَكانُ عُنوَةً، ويَكُونُ فِيهِم مَلحَمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالوا: حتى إِنْ كُنَّا لَنَتَبَاشَرُ بتَِعجِيلِ الفَتحِ إِذَا سَمِعنَاهُم يَقَعُونَ فيه، مَعَ امتِلاءِ القُلُوبِ غَيظًا عَلَيهِم بما قَالوا فِيهِ.. انتهى كلامُهُ.

وفي الصحيحِ عنِ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ قال: ((يَقُولُ اللهُ تعالى: مَن عَادَى لي وَليًّا، فَقَد آذنتُهُ بِالحَربِ)) فَكيفَ بِمَن عَادَى سَيِّدَ الأَولِيَاءِ؟ كَيفَ بِمَن استهزأَ سَيِّدَ الأَنبِيَاءَ؟ الذي أَمَرَ اللهُ تعالى بِتَعظِيمِهِ وَتَوقِيرِهِ، وَعَلَّقَ الفَلاحَ على نُصرتِهِ، وَأخبرَ أَنَّ مَن لم يَنصُرْهُ فَلَيس مِنَ المُفلِحِينَ، وَأَنَّ مَن آذَاهُ وَشَاقَّهُ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَأَنَّهُ ـ سبحانَه ـ كافِيهِ وَنَاصِرُهُ وَعَاصِمُهُ، فقال تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} وقال ـ سبحانَه ـ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وقال ـ جل وعلا ـ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} وقال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}.

عنِ ابنِ مسعودٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: بَينَمَا النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ يُصلِّي عِندَ البَيتِ، وأبو جهلٍ وأصحابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إذا قال بعضُهُم لِبَعضٍ: أَيُّكُم يجِيءُ بِسَلا جَزُورِ بني فُلانٍ، فَيَضَعَهُ على ظَهرِ محمدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانبَعَثَ أَشقَى القومِ فجاء به، فَنَظَرَ حتى سَجَدَ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ وَوَضَعَهُ على ظَهرِهِ بَينَ كَتِفَيهِ، وَأَنَا أَنظُرُ لا أُغَيِّرُ شَيئًا، لَو كَان لي مَنَعَةٌ، قال: فَجَعَلُوا يَضحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعضُهُم على بَعضٍ، وَرَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ ساجدٌ لا يَرفَعُ رَأسَهُ، حتى جاءته فَاطِمَةُ، فَطَرَحَت عَن ظَهرِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ثم قال: ((اللهم عَلَيكَ بِقُريشٍ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيهِم إِذْ دَعَا عَلَيهِم. قال: وكانوا يَرونَ أَنَّ الدَّعوَةَ في ذلك البَلَدِ مُستَجَابَةٌ. ثم سمَّى: اللهم عليك بأبي جهلٍ، وعليك بِعُتبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَشَيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بنِ عُتبَةَ، وَأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَعُقبَةَ بنِ أَبي مُعَيطٍ. وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَم نحفَظْهُ، قال: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ، لَقَد رَأَيتُ الذين عَدَّ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ صَرعَى في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدرٍ.

وعن أنسِ بنِ مالكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: كان رَجُلٌ نَصرَانيٌّ فَأَسلَمَ وَقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمرَانَ، وكان يَكتُبُ لِلنَّبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ فَعَادَ نَصرَانِيًّا، وكان يَقُولُ: لا يَدرِي محمدٌ إلا ما كَتَبتُ له، فَأَمَاتَهُ اللهُ فَدَفنُوهُ، فَأَصبَحَ وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ، فقالوا: هذا فِعلُ محمدٍ وأَصحابِهِ لمَّا هَرَبَ مِنهُم، نَبَشُوا عن صاحبِنا فَأَلقَوهُ، فَحَفَرُوا له فَأَعمَقُوا له في الأَرضِ ما استَطَاعُوا، فَأَصبَحُوا وَقَد لَفَظَتْهُ الأَرضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلقَوه.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أيها المسلمون ـ وانصُرُوا رَسولَكُم وَذُبُّوا عَن عِرضِهِ بما تَستَطِيعُون، هُبُّوا للانتِقَامِ لَهُ كُلٌّ بِحَسَبِ قُدرَتِهِ وَاستِطَاعَتِهِ، اِقرَؤُوا سَيرَتَهُ، وَانشُرُوها مِن خِلالِ الوَسَائِلِ المُتَاحَةِ، بِالمَقَالَةِ وَالمَطوِيَّةِ، وَالنَّشرَةِ وَالكِتَابِ، وَالبَرَامِجِ المَرئِيَّةِ وَالمَسمُوعَةِ، مِن خِلالِ المَدَارِسِ وَالمَسَاجِدِ، في البُيُوتِ وَالمَحَافِلِ. قِفُوا على تَفَاصِيلِ سَيرتِهِ، وَتَأَمَّلُوا دَقَائِقَ سُنَّتِهِ، فَهُوَ أَعظَمُ رَجُلٍ في التاريخِ، وَهُوَ مِنَّا وَنحنُ مِنهُ، وَقَد فُزنَا بِهِ وَشَرُفنَا بِالنَّسبَةِ إِلَيهِ، فَلا يَلِيقُ بِنَا أَن نجهَلَ تَاريخَهُ وَسِيرتَهُ وَسُنَّتَهُ.

ثم عَلَيكُم بِتَفعِيلِ سِلاحِ المُقَاطَعَةِ لِمُنتَجَاتِ هذِهِ الدُّوَلِ التي سُبَّ فِيهَا وَاستُهزِئَ بِهِ في صُحُفِها، فَذَلِكَ مِن أَقَلِّ مَا يجِبُ نحوَهُ ـ عَلَيهِ الصلاةُ والسلامُ ـ وَارفَعُوا إِلى اللهِ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ أَن يُعِزَّ دِينَهُ وَيُعلِيَ كَلِمَتَهُ، وَأَن يُذِلَّ الكُفرَ وَيَمحَقَ الكَافِرِينَ، وَأَجزِلُوا الدُّعَاءَ وَأَخلِصُوهُ، لِوُلاةِ أَمرِنا، حَيثُ سَحَبُوا سَفِيرَهُم مِن تِلكَ البِلادَ، احتجاجًا منهم ـ وفقهم اللهُ ـ على استِهزَاءِ أَولئك بِرَسولِ اللهِ، فَادعُوا لهم ولمن قَاطَعَ سِلَعَ أَولئك مِن تُجَّارِنَا ـ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِم ـ وَادعَمُوا ذلك وَاحتَسِبُوا الأَجرَ مِن رَبَّكُم

---------------
12.أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم



عبد الرحمن بن عبد الله السحيم



ما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا، وإنما تمنى ما له علاقة بمنازل الآخرة، بل برفيع المنازل، وعالي الدرجات.

فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل. رواه البخاري ومسلم.

هذه كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا كانت النفوس كبار *** تعبت في مرادها الأجسامُ

أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشجع الشجعان حتى إنه ليحتمي به صناديد الأبطال عند اشتداد النِّـزال.

قال البراء رضي الله عنه: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

وقال عليّ رضي الله عنه: كنا إذا احمرّ البأس، ولقي القوم القوم، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. رواه الإمام أحمد وغيره.

من هنا كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم عالية، كانت منزلة رفيعة، ألا وهي الشهادة في سبيل الله.

وليست مرة بل مرّات.

تأمل:

((والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل)). وفي رواية للبخاري: ((والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا)).

وما ذلك إلا لكرامة الشهيد والشهادة على الله.

ولذا لما قُتِل من قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ولقوا ربهم تبارك وتعالى، فسألهم: ماذا يُريدون ما اختاروا غير العودة للدنيا من أجل أن يُقتلوا في سبيل الله مرة ثانية.

لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟ قلت: بلى. قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي تمنّ عليّ أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ! قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه.

وقال عليه الصلاة والسلام: لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب. فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. رواه الإمام أحمد وأبو داود.

فأي كرامة يُكرم الله عز وجل بها الشهيد الذي قُتِل في سيل الله لإعلاء كلمة الله ؟

قال عليه الصلاة والسلام:

للشهيد عند الله عز وجل سبع خصال:

يُغفر له في أول دفعة من دمه.

ويرى مقعده من الجنة.

ويُحلى حلة الإيمان.

ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.

ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر.

ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها.

ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه. رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وهو في صحيح الجامع.

فأي كرامة فوق هذه الكرامة ؟

وأي فضل فوق هذا الفضل سوى رؤية وجه الرب سبحانه وتعالى ؟

ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. رواه النسائي.

تلك كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام لا يتمنى إلا ما كان يُقرّبه إلى الله عز وجل.

فهل نتمنى ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

أما إنها لو كانت أمنية صادقة لكفى.

قال صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق)). رواه مسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه. رواه مسلم.

وأختم بوصية الصِّدِّيق رضي الله عنه: احرص على الموت توهب لك الحياة.

وإن تعجب فاعجب لمن قال تلك الكلمة ؟

لقد قالها أبو بكر رضي الله عنه لسيف الله المسلول رضي الله عنه.

وبقول الخنساء:

نهين النفوس وهَوْن النفوس *** يوم الكريهة أوقى لها

وما أروع قول الحصين المرّي:

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياة مثل أن أتقدما

---------------
13.الوصف الكامل للرسول صلى الله عليه وسلم



من موقع مجلة السنة

قبل أن نبدأ هل تعلم كم هو مقدار ما ستجنيه من إحالتك لهذه الرسالة بعد قراءتها ولو لقارئ واحد من بعدك؟

- وردت (صلى الله عليه وسلم) في هذا المقال مائة واثنا عشرة مرة، وهذا معناه، أن الله جل وعلا سيصلي عليك بها ألفاً ومائة وعشرين مرة، وسيصلي عليك كل ملك مثلها، ملائكة لا يعلم عددهم إلا الخالق جل شأنه عالم الغيب والشهادة.

- وردت آية من القرآن الكريم في هذا المقال بلغت عدد حروفها ثلاث وستين حرفاً، والحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، وهذا يعني ستمائة وثلاثين حسنة.

- اعلم أن كل من سيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الرسالة ويكون سببها قراءة هذه الرسالة، فإن حسناتك منها وصلوات ربك وملائكته عليك في تصاعد مستمر.

تخيل أن تنتشر هذه الرسالة من بعدك تواتراً وتصل إلى مائة ألف مسلم على الأقل؟ فماهي غنيمتك من ذلك؟ سأجعل حساب ذلك لك.

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم



صفة لونه:

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر اللون، ليس بالأدهم و لا بالأبيض الأمهق - أي لم يكن شديد البياض والبرص - يتلألأ نوراً).

صفة وجهه:

كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر. قال عنه البراء بن عازب: (كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خلقاً).

صفة جبينه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين). الأسيل: هو المستوي. أخرجه عبد الرازق والبيهقي وابن عساكر. وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غير الجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين. وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم. وقد صفه ابن أبي خيثمة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ).

صفة حاجبيه:

كان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان، متصلان اتصالاً خفيفاً، لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.

صفة عينيه:

كان صلى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة، وقوله مشرب العين بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة - أي رموش العينين - ناصعتي البياض وكان صلى الله عليه وسلم أشكل العينين. قال القسطلاني في المواهب: الشكلة بضم الشين هي الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود. وقال الزرقاني: قال الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما سافر مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: في عينيه حمرة؟ فقال: ما تفارقه، قال الراهب: هو شرح المواهب. وكان صلى الله عليه وسلم (إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل) رواه الترمذي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوان أدعجهما - والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة - وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها). أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق.

صفة أنفه:

يحسبه من لم يتأمله صلى الله عليه وسلم أشماً ولم يكن أشماً وكان مستقيماً، أقنى أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته والأرنبة هي ما لان من الأنف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:11 pm

صفة خديه:

كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده). أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي: هذا حديث صحيح.

صفة فمه وأسنانه:

قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنب مفلج الأسنان). الأشنب: هو الذي في أسنانه رقة وتحدد. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والبغوي في شرح السنة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضليع الفم (أي واسع الفم) جميله، وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم. وكان صلى الله عليه وسلم وسيماً أشنب - أبيض الأسنان مفلج أي متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات- أفلج الثنيتين - الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان - إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، - النور المرئي يحتمل أن يكون حسياً كما يحتمل أن يكون معنوياً فيكون المقصود من التشبيه ما يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية).

صفة ريقه:

لقد أعطى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خصائص كثيرة لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه صلى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل، ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف من مريض فبرىء من ساعته بإذن الله. فقد جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها ، فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به وفي رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، فبرىء كأنه لم يكن به وجع). وروى الطبراني وأبو نعيم أن عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه، وهن خمس، فوجدنه يأكل قديداً (لحم مجفف)، فمضغ لهن قديدة، قالت عميرة: ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة قطعة فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف، أي تغير رائحة فم. ومما يروى في عجائب غزوة أحد، ما أصاب قتادة رضي الله عنه بسهم في عينه قد فقأتها له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تدلت عينه، فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها ثم تفل بها ومسح عليها وقال (قم معافى بإذن الله) فعادت أبصر من أختها، فقال الشاعر (اللهم صل على من سمى ونمى ورد عين قتادة بعد العمى).

صفة لحيته:

(كان رسول الله صلى الله عليه حسن اللحية)، أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر. وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، - والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها - وكانت عنفقته بارزة، وحولها كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها)، أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق وابن أبي خيثمة في تاريخه. وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: (كان في عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض). أخرجه البخاري. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته). أخرجه مسلم. (وكان صلى الله عليه وسلم أسود كث اللحية، بمقدار قبضة اليد، يحسنها ويطيبها، أي يضع عليها الطيب. وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات). أخرجه الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية.

صفة رأسه:

كان النبي صلى الله عليه وسلم ذا رأس ضخم.

صفة شعره:

كان صلى الله عليه وسلم شديد السواد رجلاً، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودان وإنما هو على هيئة المتمشط، يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً ويرسله أحياناً فيصل إلى شحمة أذنيه أو بين أذنيه وعاتقه، وغاية طوله أن يضرب منكبيه إذا طال زمان إرساله بعد الحلق، وبهذا يجمع بين الروايات الواردة في هذا الشأن، حيث أخبر كل واحدٍ من الرواة عما رآه في حين من الأحيان. قال الإمام النووي: (هذا، ولم يحلق النبي صلى الله عليه وسلم رأسه (أي بالكلية) في سني الهجرة إلا عام الحديبية ثم عام عمرة القضاء ثم عام حجة الوداع). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر الرأس راجله)، أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح. ولم يكن في رأس النبي صلى الله عليه وسلم شيب إلا شعيرات في مفرق

رأسه، فقد أخبر ابن سعيد أنه ما كان في لحية النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه إلا سبع عشرة شعرة بيضاء وفي بعض الأحاديث ما يفيد أن شيبه لا يزيد على عشرة شعرات وكان صلى الله عليه وسلم إذا ادهن واراهن الدهن، أي أخفاهن، وكان يدهن بالطيب والحناء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد)، أخرجه البخاري ومسلم. وكان رجل الشعر حسناً ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كما إذا مشطه بالمشط كأنه حبك الرمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضاً، وتحلق حتى يكون متحلقاً كالخواتم، لما كان أول مرة سدل ناصيته بين عينيه كما تسدل نواصي الخيل جاءه جبريل عليه السلام بالفرق ففرق. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من نافوخه وأرسل ناصيته بين عينيه). أخرجه أبو داود وابن ماجه. وكان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، أي يرسله ثم ترك ذلك وصار يفرقه، فكان الفرق مستحباً، وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم. وفرق شعر الرأس هو قسمته في المفرق وهو وسط الرأس. وكان يبدأ في ترجيل شعره من الجهة اليمنى، فكان يفرق رأسه ثم يمشط الشق الأيمن ثم الشق الأيسر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترجل غباً، أي يمشط شعره ويتعهده من وقت إلى آخر. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره، أي الابتداء باليمين، إذا تطهر وفي ترجله إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل). أخرجه البخاري.

صفة عنقه ورقبته:

رقبته فيها طول، أما عنقه فكأنه جيد دمية (الجيد: هو العنق، والدمية: هي الصورة التي بولغ في تحسينها). فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم إبريق فضة)، أخرجه ابن سعد في الطبقات والبيهقي. وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: (كان أحسن عباد الله عنقاً، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهباً يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب، وما غيب في الثياب من عنقه فما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر)، أخرجه البيهقي وابن عساكر.

صفة منكبيه:

كان صلى الله عليه وسلم أشعر المنكبين (أي عليهما شعر كثير)، واسع ما بينهما، والمنكب هو مجمع العضد والكتف. والمراد بكونه بعيد ما بين المنكبين أنه عريض أعلى الظهر ويلزمه أنه عريض الصدر مع الإشارة إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن منافياً للاعتدال. وكان كتفاه عريضين عظيمين.

صفة خاتم النبوة:

وهو خاتم أسود اللون مثل الهلال وفي رواية أنه أخضر اللون، وفي رواية أنه كان أحمراً، وفي رواية أخرى أنه كلون جسده. والحقيقة أنه لا يوجد تدافع بين هذه الروايات لأن لون الخاتم كان يتفاوت باختلاف الأوقات، فيكون تارة أحمراً وتارة كلون جسده وهكذا بحسب الأوقات. ويبلغ حجم الخاتم قدر بيضة الحمامة، وورد أنه كان على أعلى كتف النبي صلى الله عليه وسلم الأيسر. وقد عرف سلمان الفارسي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم. فعن عبد الله بن سرجس قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزاً ولحماً وقال ثريداً. فقيل له: أستغفر لك النبي؟ قال: نعم ولك، ثم تلى هذه الآية: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) محمد/19. قال: (ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى عليه خيلان كأمثال الثآليل)، أخرجه مسلم. قال أبو زيد رضي الله عنه: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقترب مني، فاقتربت منه، فقال: أدخل يدك فامسح ظهري، قال: فأدخلت يدي في قميصه فمسحت ظهره فوقع خاتم النبوة بين أصبعي قال: فسئل عن خاتم النبوة فقال: (شعرات بين كتفيه)، أخرجه أحمد والحاكم وقال (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي. اللهم كما أكرمت أبا زيد رضي الله عنه بهذا فأكرمنا به يا ربنا يا إلهنا يا من تعطي السائلين من جودك وكرمك ولا تبالي.

صفة إبطيه:

كان صلى الله عليه وسلم أبيض الإبطين، وبياض الإبطين من علامة نبوته إذ إن الإبط من جميع الناس يكون عادة متغير اللون. قال عبد الله بن مالك رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين يديه (أي باعد) حتى نرى بياض إبطيه). أخرجه البخاري. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه). أخرجه أحمد وقال الهيثمي في المجمع رجال أحمد رجال الصحيح.

صفة ذراعيه:

كان صلى الله عليه وسلم أشعر، طويل الزندين (أي الذراعين)، سبط القصب (القصب يريد به ساعديه).

صفة كفيه:

كان صلى الله عليه وسلم رحب الراحة (أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً، غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة أي ناعمة. قال أنس رضي الله عنه: (ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم). وأما ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله، فإن كفه الشريفة تصير خشنة للعارض المذكور (أي العمل) وإذا ترك رجعت إلى النعومة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار). أخرجه مسلم.

صفة أصابعه:

قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل الأطراف (سائل الأطراف: يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة). أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات والحاكم مختصراً والبغوي في شرح السنة والحافظ في الاصابة.

صفة صدره:

كان صلى الله عليه وسلم عريض الصدر، ممتلئ لحماً، ليس بالسمين ولا بالنحيل، سواء البطن والظهر. وكان صلى الله عليه وسلم أشعر أعالي الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المسربة وهو الشعر الدقيق.

صفة بطنه:

قالت أم معبد رضي الله عنها: (لم تعبه ثلجه). الثلجة: كبر البطن.

صفة سرته:

عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك: حديث هند تقدم تخريجه. واللبة المنحر وهو النقرة التي فوق الصدر.

صفة مفاصله وركبتيه:

كان صلى الله عليه وسلم ضخم الأعضاء كالركبتين والمرفقين والمنكبين والأصابع، وكل ذلك من دلائل قوته صلى الله عليه وسلم.

صفة ساقيه:

عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى بيض ساقيه). أخرجه البخاري في صحيحه.

صفة قدميه:

قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ششن الكفين والقدمين). قوله: خمصان الأخمصين: الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذي لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع. مسيح القدمين: يريد أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر لذا قال ينبو عنهما الماء، يعني أنه لا ثبات للماء عليها وسشن الكفين والقدمين أي غليظ الأصابع والراحة. رواه الترمذي في الشمائل والطبراني. وكان صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت قدماه الشريفتان تشبهان قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام كما هي آثارها في مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام.

صفة عقبيه:

كان رسول صلى الله عليه وسلم منهوس العقبين أي لحمهما قليل.

صفة قامته و طوله:

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم (أي مربوع القامة)، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى الطول أقرب. وقد ورد عند البيهقي وابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يماشي أحداً من الناس إلا طاله، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب إلى الربعة، وكان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس. فكان صلى الله عليه وسلم حسن الجسم، معتدل الخلق ومتناسب الأعضاء.

صفة عرقه:

عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ (أي كان صافياً أبيضاً مثل اللؤلؤ). وقال أيضاً: (ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له. وعن أنس أيضاً قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أي نام) عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: عرق نجعله في طيبنا وهو أطيب الطيب). رواه مسلم، وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم على ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل وجد ريحه (أي تبقى رائحة النبي صلى الله عليه وسلم على يد الرجل الذي صافحه)، وإذا وضع يده على رأس صبي، فيظل يومه يعرف من بين الصبيان بريحه على رأسه.

ما جاء في اعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم:

قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر). أخرجه الطبراني والترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم. وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً). أخرجه البخاري ومسلم.

الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم بوصفٍ شامل:

يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه ودليلهما، خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)، كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف عن الغنم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمى الله جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها.

وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق عنزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت!، فقالت: لا والله، إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا أم معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)، لم تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره وطف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحل (بحة وحسن)، وفي عنقه سطع (طول)، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة)، فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.

وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد. هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد. حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها). وما أحسن ما قيل في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم).

ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم:

لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر. يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضى أو سر إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.

في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله.

رحم الله حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ قال:

خلقت مبرءاً من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاء

ويرحم الله القائل:

فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم

فتنزه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم

وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:

بلغ العلى بكماله *** كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله *** صلوا عليه وآله

ورحم الله ابن الفارض حيث قال:

وعلى تفنن واصف يفنى *** الزمان وفيه ما لم يوصف

مـسألة:

من المعلوم أن النسوة قطعت أيديهم لما رأين يوسف عليه السلام إذ إنه عليه السلام أوتي شطر الحسن، فلماذا لم يحصل مثل هذا الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل يا ترى سبب ذلك أن يوسف عليه السلام كان يفوق الرسول صلى الله عليه وسلم حسناً وجمالاً؟

الجواب:

صحيح أن يوسف عليه السلام أوتي شطر الحسن ولكنه مع ذلك ما فاق جماله جمال وحسن النبي صلى الله عليه وسلم. فلقد نال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صفات كمال البشر جميعاً خلقاً وخلقاً، فهو أجمل الناس وأكرمهم وأشجعهم على الإطلاق وأذكاهم وأحلمهم وأعلمهم... إلخ هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكما مر معنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلوه الوقار والهيبة من عظمة النور الذي كلله الله تعالى به، فكان الصحابة إذا جلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطير من الهيبة والإجلال فالطير تقف على الشيء الثابت الذي لا يتحرك. وما كان كبار الصحابة يستطيعون أن ينظروا في وجهه ويصفوه لنا لشدة الهيبة والإجلال الذي كان يملأ قلوبهم وإنما وصفه لنا صغار الصحابة، ولهذا السبب لم يحصل ما حصل مع يوسف عليه السلام.

* * *

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك وابن عبدك وابن أمتك، صفوة خلقك وخليلك الرحمة المهداة، نبيك ورسولك الأمين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي، مادامت السموات والأرض وبقيت الحياة في هذا الكون، منذ أن خلقت الخلق وإلى أن تقوم الساعة، صلاة وسلاماً ترضيك عنا وتليق بقدره الطاهر عندك، وبالقدر الذي أمرت به بقولك الحق: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}، وأجعلها شاهدة لنا لا علينا، وأغنمنا شفاعته صلى الله عليه وسلم، يوم البعث وساعة الحشر ويوم يقوم الناس من القبور، ولا تحرمنا لذة النظر إليك، وجواره الكريم في جنة الخلد، صلواتك ربي وسلامك عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن ونحن معهم يا رب العالمين. آمين.

---------------
14.الحياة الدنيوية لصفوة خلق الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه



عبدالرحمن بن عبدالخالق



كانت الحياة الدنيوية لأشرف الرسل، وأكرم خلق الله، وخير البرية محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، مثالاً وبرهاناً أن الله لا يختار الدنيا لأوليائه وأحبابه، وإنما يختار لهم الآخرة {وللآخرة خير لك من الدنيا}.

وكانت كذلك سلسلة متواصلة من الاختبارات والابتلاءات.

فقبل الرسالة نشأ النبي صلى الله عليه وسلم في أسرة فقيرة فقد مات أبوه قبل أن يولد، ولم يترك له من الميراث إلا أمة هي أم أيمن رضي الله عنها.

وقـد عانت أمه حتى وجدت مرضعاً له، وبقي في كفالة جده عبدالمطلب ثم لم تلبث والدته حتى توفيت وهـو طفل صغير، ثم تبعها جده عبدالمطلب، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى كفالة عمه أبي طالب، الذي كان فقيراً، كثير الأولاد، وهكذا نشأ النبي يتيماً فقيراً قد من الله عليه بالمأوى عند جده، ثم عمه. قال تعالى: {ألم يجدك يتيماً فآوى}.

وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام أجيراً في رعي غنم الأثرياء من أهل مكة فقال: [رعيت الغنم على قراريط لبعض أهل مكة]، والقيراط عمله صغيرة في قيمة الفلس.

ولما شب لم يكن له مال ليتاجر فيه كأهل مكة الذين كانت التجارة هي عملهم الأساس. فإن مكة ليست ببلـد زرع، وإنما عيش أهلها على التجارة واستجلاب البضائع، والبيع في أسواق الحج.. وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة مرات قليلة في مال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وكان أهل مكة يقارضون بأموالهم. (والقراض أن يعطي رب المال ماله للعامل ليتاجر فيه ثم يكون الربح بينهما وإذا وقعت الخسارة وقعت في المال وخسر العامل عمله)، وهذه المعاملة التي كان أهل الجاهلية يتعاملون بها جاء الإسلام وأقرها، فهي صورة من صورة الشركة في الإسلام.

ولم يتوغل النبي في التجارة، ولا كانت هماً له.

وبعد أن تزوج من خديجة رضي الله عنها، انصرف إلى العزلة والتعبد، فكان يأخذ زاده من طعام وشراب، ويخرج خارج مكة، وقد اختار جبل حراء الذي وجد كهفاً (مغارة) في أعلاه سكنها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يمكث فيها الليالي ذوات العدد حتى إذا فنى الطعام الذي معه، ونفذ الماء رجع إلى مكة مرة ثانية، ثم يكون من شأنه أن يتزود من الطعام والشراب لأيام أخرى يقضيها وحده في غار حراء.



ووجد صلى الله عليه وسلم في هذه الخلوة راحته وسعادته واطمئنان قلبه، وحببت إليه هذه الخلوة والابتعاد عن الناس، ومن كان في مثل هذه الحال فإن الدنيا لا تكون له على بال.

وكان هذا إعداداً من الله له ليحمل بعد ذلك ما لا تستطيع حمله الجبال.

وأتاه الوحي من الله، وحمله الله سبحانه وتعالى رسالته إلى العالمين، وأمره بإبلاغ دينه إلى الناس كافة في الأرض كلها.

وهذه الرسالة تبديل كامل لما عليه الأمم كلها من العقائد والنظم والتشريع والآداب والأخلاق، وفيها إكفار أهل الأرض كلهم: اليهود والنصارى والعرب المشركين والمجوس، وتسفيه لأحلامهم وحكم عليهم بالنار والعذاب والخسران هم ومن مضى من آبائهم إن ظلوا على ما هم عليه من الدين والخلق والسلوك والتشريع..

ومع ضخامة هذه المهمة وثقلها، وتكاليفها الباهظة فإن الله سبحانه وتعالى لم يضع تحت يد النبي صلى الله عليه وسلم كنزاً من المـال ينفق منه، ولا وسيلة معجزة خارقة للعادة تحمله هنا وهناك ليبلغ رسالة ربه، بل ولم يرفع عنه السعي الواجب ليكسب عيشه وعيش أولاده، وكان صلى الله عليه وسلم قـد رزق بولدين القاسم وعبدالله ماتا سريعاً، وبأربعة من البنات هن زينب،ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، عليهن السلام جميعاً ظللن في كنفه. والبنت ليست كاسبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:13 pm

وكان على النبي صلى الله عليه وسلم الذي حمل هذه الأمانة العظمى أن يسعى فيها وأن يجد ويجتهد، فانتهى بذلك عهد السكون والخلوة والسلامة من الناس والبعد عن شرورهم..

يوم الطائف!! وما لقي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم من ماله في هذا الوقت دابة يركبها، ولو حماراً يحمله إلى مكان بعيد عن مكة ليبلغ رسالة ربه، ولما أراد الذهاب إلى الطائف لم يجد إلا قدميه، وعندما رآه أهل الطائف وهم أهل الغنى والثراء، وقد أتاهم من مكة ماشياً، وليس معه أحد.. لا صديق، ولا مرافق، ولا خادم، يقوم بخدمته.. ثم يقول لهم بعد ذلك: [أنا رسول رب العالمين]!!، استنكروا هذا جداً، ولم تتقبل عقولهم المريضة، ونفوسهم الخسيسة أن يكون هذا الذي أمامهم وهو على تلك الحال من الضعف والفقر هو رسـول الله حقاً وصدقاً، إذ كيف يكون رسول الله خالق الكون الذي يكلفه بالبلاغ للناس جميعاً، ولا يضع له ولو ردابة في الخدمة ليبلغ عليها رسالة ربه!!

وكان من شأنهم ما قصه النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قائلة: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: [لقيت من قومك ما لقيت!! وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذا عرضت نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلال، فلم يجبني إلى ما أردت -فانطلقت وأنا مهموم- على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب -وهو المسمى بقرن المنازل- فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم!! فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، ذلك!! فما شئت؟‍‍! إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين - أي لفعلت، (والأخشبان هما جبلا مكة، أبو قبيس والذي يقابله وهو قعيقعان) - قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً].(متفق عليه).

النبي صلى الله عليه وسلم يستدين ثمن الراحلة التي يهاجر عليها إلى المدينة:

ولما أذن الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة بعد أن أجمعت قريش أمرها على قتله، رأت أن هـذا هو السبب الوحيد الذي يمكن أن يوقف دعوته، وأن نفيه خارج مكة أو حبسه فيها، لن يمنع من انتشار دعوته في مكة وخارجها.. أقول لما عزم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج مكة وأذن الله له في الخروج منها لم يكن يملك راحلة يركبها، وهو رسول رب العالمين، الذي له ملك السموات والأرضين، ولما عرض النبي صلى الله عليه وسلم أمر الهجرة على الصديق أبي بكر رضي الله عنه، فرح أبو بكر بذلك فرحاً شديداً، وكان يعلم أنه لا بقاء له والرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أن اشتد على المسلمين الأذى وهاجر عامتهم إلى الحبشة، ولم يبق إلا من له عهد مع قريش أو عصبة قوية تحميه، وكان أبو بكر قـد اشترى راحلتين من ماله، وكان تاجراً ميسوراً فعرض على النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما ليهاجر عليها فقبلها النبي بثمنها.

الصديق يرتب أمر الهجرة خطة ومالاً:

ورتب أبو بكر شأن الهجرة كله، الرواحل، والزاد، ودليل الطريق (عبدالله بن أريقط) وكان غلاماً للصديق، والاختفاء في نواحي مكة حتى يخف الطلب ويأمن الطريق، وكيفية وصول الزاد إليهما، ومعرفة أخبار قريش مدة الاختفاء حتى يخف الطلب، فقد كان رأس أبي بكر مطلوباً مع رأس النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قريش جعلت مائة من الإبل لمن أتاها بالنبي أو صاحبه حياً أو ميتاً.

وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الصديق الذي لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض كلهم ناصر بعد الله إلا هو، الذي رافقه في هجرته جاعلاً حياته مع حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروحه دون روحه. قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذي كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا...} الآية

وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لا يحمل مالاً ولا متاعاً، والراحلة التي حملته كانت من مال الصديق ديناً على النبي صلى الله عليه وسلم، وحق للنبي صلى الله عليه وسلم قبل موته أن يذكر الصديق مشيداً بمنزلته وفضله فيقول: [إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن] (متفق عليه).

النبي صلى الله عليه وسلم ينزل المدينة بلا مال أو متاع:

ويسكن النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وينزل أولاً ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري، ثم يعرض شراء أرض المسجد وكانت خربة فيها قبور لبعض المشركين، وبقايا نخل لا يثمر، فيقول أصحاب الأرض: والله لا نقبل ثمنها إلا من الله!!

فيكون وقفهم هذا أعظم وقف في الإسلام (المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم) ويشتري النبي بجوار المسجد أرضاً يقيم فيها حجرات لزوجاته. كانت الحجرة لا تسعه قائماً يصلي، وتسع امرأته. قالت أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها: (كنت أنام في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم يصلي من الليل فإذا أراد أن يسجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما). (متفق عليه) وهذا من ضيق المكان.

فهل تتصور الآن غرفة لا تسع مصل ونائم!!

أنس بن مالك أعظم هدية في الإسلام:

ولما سكن الرسـول بيته جاءته أم سليم الأنصارية الصحابة العابدة الفقيهة الحصيفة كاملة الدين والعقل فأهدت له ابنها، وقالت: يا رسول الله هذا خادمك أنس!!، فكان أنس بن مالك رضي الله عنه خـادم النبي صلى الله عليه وسلم لعشر سنين!! لم يعرف خادم في الدنيا أشرف ولا أجل ولا أعظم منه فشرف الخادم بشرف المخدوم، وهل أجل وأعظم وأشرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولو قدر لنا أن نرى خادم رسول الله لخدمناه لخدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

منزل بلا أثاث أو رياش:

وعاش النبي صلى الله عليه وسلم في منزل لا يعرف الأثاث ولا الرياش، فلم يكن فيه بساط قط، ولا كان يستر حيطانه من الطين شيء من الأصباغ بل ولا تسويه بالملاط.

ولما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم الطائي وهو ملك طيء وسيدهم وحبرهم، وقد علق صليباً من الذهب في صدره، واستضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدم لضيفه ليجلس عليه إلا وسادة واحدة من ليف وضعها النبي صلى الله عليه وسلم لضيفه ليجلس عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض!!.

منزل بلا مطبخ ولا نار!!

ولم يعرف بيت النبي صلى الله عليه وسلم مطبخاً قط، ولا كان فيه فرن قط، وكان يمر شهران كاملان ولا يوقد في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم نار قط، وكان يعيشون الشهر والشهرين على الماء والتمر فقط.. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كنا نتراءى الهلال والهلال والهلال ثلاثة أهلة في شهرين، ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار!! قيل: فما كان طعامكم. قالت: الأسودان: التمر والماء!!!

ولم يكن يجد آل محمد صلى الله عليه وسلم التمر في كل أوقاتهم، بل كان رسول الله يمضي عليه اليوم واليومين وهو لا يجد من الدقل (التمر الرديء) ما يملأ به بطنه.

ولم ير رسـول الله صلى الله عليه وسلم الخبز الأبيض النقي قط، وسأل عروة بن الزبير رضي الله عنه خالته عائشة رضي الله عنها هل أكل رسول الله خبز النقي؟ فقالت: ما دخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلاً قط، ولا رأى رسول الله منخلاً قط.. قال: فكيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نطحنه ثم نذريه (مع الهواء) ثم نثريه ونعجنه!! ومع ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشبع من خبز الشعير هذا يومين متتالين حتى لقي الله عز وجل!!

قالت أم المؤمنين رضي الله عنها: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتالين حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكانت تمر الأيام على أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجدون ما يأكلونه لا تمراً ولا شعيراً إلا الماء.

ولقد جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله أنا ضيفك اليوم!! فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى تسع زوجات عنده، ترد كل واحدة منهن (والله ما عندنا ما يأكله ذو كبير!! والمعنى من طعام يمكن أن يأكله إنسان أو حيوان) فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذه إلى المسجد عارضاً ضيافته على من يضيفه من المسلمين فقال: [من يضيف ضيف رسول الله!!]

وأقول: الله أكبر!! رسـول رب العالمين، ومن له خزائن السموات والأراضين لا يوجد في بيته خبزة من شعير أو كف من تمر يقدمه لضيفه!!

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الذي أرسلته رحمة للعالمين وسيداً للبشر أجمعين، وأعليت ذكره في الأولين والآخرين، واحشرني تحت لوائه يوم الدين.

وعاش النبي صلى الله عليه وسلم حياته لم يجلس في طعامه على خوان قط، ولا أكل في (سكرجة) قط (السكرجة: هي الصحون الصغيرة) ولم يعرف لا هـو ولا أصحابه المناديل التي يجفف بها الأيدي بعد الطعام قط.

هذه ثياب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:



وكان عامة أصحابه لا يجد أحدهم إزاراً ورداءاً معاً، بل عامتهم من كان له إزار لم يكن له رداء، ومن كان له رداء لم يكن له إزار!!

وكان يستحيون من رقة حالهم إذا جلسوا أو مشوا أن تظهر عوراتهم!!

وكان يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا وليس لإحدهم إلا الإزار أن يخالف بين طرفيه ويربطه في رقبته على عاتقيه!! حتى لا يسقط إزاره وهو يصلي!!

وفي عهد التابعين رأى أحدهم جابر بن عبدالله الأنصاري يصلي في إزار قد عقده من قبل قفاه!! وثيابه موضوعة على المشجب فقال له: تصلي في إزار واحد؟! فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك!! وأينا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

واختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيش حياته كلها متخففاً من الدنيا، مقبلاً على الآخرة، ولما فتحت له الفتوح، وكان له الخمس من مال بني النضير وخمس الخمس من خيبر، والخمس من فدك وكلها أراض ترد غلات كبيرة جعل كل ذلك في سبيل الله، وجاءته نساؤه يطلبن التوسعة في النفقة، فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتن تردن الله ورسـوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً}.

ولما نزلت هذه الآية على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم أن هذا الخيار قد يصعب على بعض زوجاته، وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها، وكانت في وقت نزول هذه الآية طفلة صغيرة لم تكمل الحادية عشرة من عمرها.

فبدأ النبي بها صلى الله عليه وسلم وقال لها: ((يا عائشة إني عارض عليك أمراً فلا تستعجلي فيه حتى تستأمري أبويك!!)).

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبويها لا يمكن أن ينصحا لها بفراق النبي صلى الله عليه وسلم!! فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليها الآية وفيها تخيير بين الحياة مع النبي مع التقشف والتخفف من الدنيا، وترك التوسع فيها، وبين الطلاق. قالت: يا رسول الله أفيك أستأمر أبوي!! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة!!

الله أكبر... ما أعظم هذا!! هذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فتاة لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها... أي فقه وفهم ورجاحة عقل ودين كانت تحمله هذه الحِصَان الرازن الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها. ثم قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: ولكن يا رسول الله لا تخبر أحداً من زوجاتك بالذي اخترته!!

ومرة ثانية أقول الله أكبر... عائشة أم المؤمنين التي اختارت الله ورسوله والدار الآخرة وآثرت الحياة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع الزهد والتقشف والتقلل من الدنيا يظهر فيها كذلك معاني الأنثى الكاملة، والزوجة الغيور المحبة لزوجها التي تريد أن تستأثر به (وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، وترجو أن يسقط في الاختبار غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم!!

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: ((لا تسألني واحدة منهن عما اخترتيه إلا قلت لها!!)).

نعم المعلم أنت يا رسول الله!! فقد كنت كاملاً في كل نواحيك!!:

فأنت خير زوج لأزواجك، وخير صديق لأصدقائك، وخير صاحب لأصحابك، وخير شريك لشركائك، وخير جار لجيرانك، وفي النهاية خير رسول لأمته. فصلى الله عليك وعلى آلك وأزواجك الطيبين الطاهرين الذين صحبوك في هذه الحياة الدنيا على أتم صحبة، فكانت زوجاتك الطيبات الطاهرات خير النساء، ومن أجل ذلك جعلهن الله أمهات لكل مؤمن بمنزلة الأم الرؤوم الحنون. كما كنت يا رسـول الله أباً لكل مؤمن بمنزلة الوالد الرؤوف الرحيم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهن}.

وفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا يوم فارقها وهو في ثوبه الخشن، ومنزله المتواضع، عيشه الكفاف، ولم يترك ديناراً ولا درهماً بل مات وهو مدين بثمن ثلاثين صاعاً من شعير طعاماً لأهل بيته كان قد اشتراها من يهودي ورهنه النبي درعه!!

وأخرجت عائشة رضي الله عنها للناس رداءاً وكساءاً غليظاً فقالت: توفي رسـول الله صلى الله عليه وسلم في هذين!!

فسلام الله عليك ورحمته وبركاته عليك يا رسول الله في العالمين

---------------
15.التوازن النفسي والسلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم



د/ خالد سعد النجار

إن الدارس لشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستلف نظره ذلك التوازن الدقيق بين معالمها مما لا يمكن أن تجده في أي بشر سواه، هذا التوازن - الذي يعد من أبرز دلائل نبوته - يتمثل في الكم الهائل من الشمائل ومحاسن الأخلاق التي اجتمعت في شخصيته صلى الله عليه وسلم على نسق متعادل لا تطغى صفة على صفة ولا توظف صفة في موقف لا تحتاجه ولا تليق به بل لكل مقام مقال ولكل حالة لبوسها حتى لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إذ كل منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل النظر، إنه الكمال البشرى الذي يقود المسلمين إلى مزيد من الإعجاب والحب لرسولهم الكريم مفاخرين الدنيا بأسرها أنهم أتباع سيد البشر.

التوازن النفسي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:

حقق التوازن النفسي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أسمى غاياته فكان ذو نفس سوية تتمتع بمثالية يدركها من له أدنى معرفة بالسلوك النفسي وأبعاده فما كان صلى الله عليه وسلم بالكئيب العبوس الذي تنفر منه الطباع ولا بالكثير الضحك الهزلى الذي تسقط مهابته من العيون ولم يكن حزنه وبكاؤه إلا مما يحزن ويبكى منه العقلاء في غير إفراط ولا إسراف.

وفي ذلك يقول ابن القيم: [وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فلم يكن بشهيق ورفع صوت ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ويسمع لصدره أزيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))، وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكى في صلاته وجعل ينفخ ويقول: ((رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك)) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكى أحيانا في صلاة الليل].

أما ضحكه صلى الله عليه وسلم: فكان يضحك مما يُضحك منه وهو مما يُتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر كما كان يداعب أصحابه. فعن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال (أتت امرأة يقال لها أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي يدعوك قال: ومن هو ؟ أهو الذي بعينه بياض ؟ قالت والله ما بعينه بياض فقال بلى إن بعينه بياضا فقالت لا والله فقال ما من أحد إلا وبعينه بياض) رواه أبو داود وعن أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنا حاملوك على ولد ناقة) فقال يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهل تلد الإبل إلا النوق) رواه الترمذى.

التوازن السلوكي في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم:

كان التوازن السلوكي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد دلائل نبوته فلقد جعل هذا التوازن من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العليا التي تمثلت فيها كل جوانب الحياة فهو الأب والزوج ورئيس الدولة والقائد للجيش والمحارب الشجاع كما كان المستشار والقاضي والمربى والمعلم والعابد والزاهد إلى آخر صفاته صلى الله عليه وسلم التي كانت من الخصب بحيث استوعبت كل جوانب حياة البشر الأمر الذي جعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للناس كافة على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم حتى تقوم الحجة على الناس مرتين مرة بالبيان النظري ومرة بالبيان العملي وإليك بعض مظاهر هذا التوازن السلوكي:-

(أ) التوازن النبوي بين القول والفعل:

(شهدت البشرية في تاريخها الطويل انفصالا بين المثل والواقع، بين المقال والفعال، بين الدعوى والحقيقة وكان دائما المثال والمقال والدعوى أكبر من الواقع والفعال والحقيقة وهذا شيء يعرفه من له أدنى معرفة بالتاريخ والحياة غير أن هذه الظاهرة تكاد تكون مفقودة في واقع الرسل وأتباعهم فهم وحدهم الذين دعوا الإنسانية إلى أعظم قمم السمو ومثلوا بسلوكهم العملي هذه الذروة بشكل رائع مدهش).

وظهور هذا التوازن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية كان على أعلى ما يخطر بقلب بشر فهو العابد والزاهد والمجاهد والزوج و و الذي ما كان يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ولا ينهى عن شر إلا كان أو تارك له.

فعن عبادته تقول السيدة عائشة رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال (أفلا أكون عبدا شكورا) رواه الشيخان، وعن أنس رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه شيئا ويصوم حتى نظن أن لا يفطر منه شيئا وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته) رواه البخارى.

وعن زهده يروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنه قالت: دخلت علىّ امرأة من الأنصار فرأت فراش النبي صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فرجعت إلى منزلها فبعثت إلىّ بفراش حشوه الصوف فدخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما هذا ؟) فقلت فلانة الأنصارية دخلت علىّ فرأت فراشك فبعثت إلىّ بهذا فقال (رديه) قالت فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات ثم قال (يا عائشة رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة) قالت: فرددته. وهو إمام الزاهدين الذي ما أكل على خوان قط وما رأى شاة سميطا قط وما رأى منخلا منذ أن بعثه الله إلى يوم قبض ما أخذ من الدنيا شيئا ولا أخذت منه شيئا وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول (مالي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها) .

وأما عن شجاعته وجهاده فيروى أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول (لم تراعوا لم تراعوا) وهو على فرس لأبى طلحة عرى ما عليه سرج في عنقه سيف فقال (لقد وجدته بحرا) ، وعن على رضي الله عنه قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه. ولولا خوف الإطالة لسردنا شمائله صلى الله عليه وسلم التي نادى بها وعلّمها أمته وكان أول الممارسين العمليين لها.

(ب) الصدق النبوي في الجد والدعابة:

(الصدق صفة أساسية لابد أن يتمتع بها صاحب الرسالة، هذا الصدق لابد أن يكون مطلقا لا يُنقض في أي حال بحيث لو امتحن صاحب الرسالة في كل قول له لكان مطابقا للواقع إذا وعد أو عاهد أو جد أو داعب أو أخبر أو تنبأ وإذا انتقضت هذه الصفة أي نقض فإن دعوى الرسالة تنتقض من أساسها؛ لأن الناس لا يثقون برسول غير صادق والرسول الصادق لا تجد في ثنايا كلامه شيئا من الباطل في أي حال من الأحوال) ولقد كان الصدق من أوضح السمات في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي دلالة على هذا الصدق أن قومه لقبوه بالصادق الأمين بل إن أول انطباع يرسخ في نفس من يراه لأول مرة أنه من الصديقين فعن عبه الله بن سلام قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس وقيل قد قدم النبي صلى الله عليه وسلم وجئت فيمن جاء قال فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول ما قال (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام) رواه الترمذى .

فهو الصادق في وعده وعهده فعن عبد الله بن أبى الخنساء قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وبقيت له بقية فواعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك فنسيت يومي والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه فقال (يا فتى لقد شققت علىّ أنا ههنا منذ ثلاث انتظرك) رواه أبو داود وبعد غزوة حنين جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم هوازن فوقف عليه رجل من الناس فقال إن لي عندك موعدا يا رسول الله قال (صدقت فاحتكم ما شئت) قال أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها قال (هي لك وقال احتكمت يسيرا) رواه الحاكم. وأخرج الحاكم عن حويطب بن عبد العزى في قصة إسلامه أنه عندما كان مشركا تولى مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلاء عن مكة في عمرة القضاء بعد انقضاء مدة الثلاثة أيام المتفق عليها يقول حويطب: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخرجت قريش من مكة كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو لكى نخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى الوقت فلما انقضت الثلاثة أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا: قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا فصاح (يا بلال لا تغب الشمس وواحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا) وما حدث أن وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عاهد فأخلف أو غدر ولقد روى البخارى (أن هرقل لما سأل أبا سفيان عن محمد هل يغدر ؟ أجاب أبو سفيان لا فقال هرقل بعد ذلك وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) بل إنه صلى الله عليه وسلم لا يحيد عن الصدق ولا حتى مجاملة لأحد فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك فكان يقبل بوجهه وحديثه علىّ حتى ظننت أنى خير القوم فقلت يا رسول الله أنا خير أم أبو بكر فقال أبو بكر فقلت يا رسول الله أن خير أم عمر فقال عمر فقلت أنا خير أم عثمان فقال عثمان فلما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقني فلوددت أنى لم أكن سألته) رواه الترمذى.

وحتى في أوقات الدعابة والمرح حيث يتخفف الكثيرون من قواعد الانضباط كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق في مزاحه فعن أبى هريرة قال (قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا قال إني لا أقول إلا حقا) رواه الترمذى.

(جـ) التوازن الأخلاقي في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من أبلغ وأجمع الكلمات التي وصفت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنه (كان خلقه القرآن) ولقد كانت هذه الأخلاق من السمو والتوازن ما جعل تواضعه لا يغلب حلمه ولا يغلب حلمه بره وكرمه ولا يغلب بره وكرمه صبره وهكذا في كل شمائله صلوات الله وسلامه عليه هذا مع انعدام التصرفات الغير أخلاقية في حياته.فعن تواضعه يروى أبو نعيم في دلائل النبوة عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفا والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبى أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:14 pm

وعن حلمه يروى البخاري يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم فقال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت -أي عبد الله راوي الحديث- والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته فقال (من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر).

وعن كرمه يروى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا ..) وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل شيئا على الإسلام إلى أعطاه قال فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة فرجع الرجل إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمد يعطى عطاء من لا يخشى الفاقة وأخرج ابن عساكر في قصة إسلام صفوان بن أمية عن عبد الله بن الزبير قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر وقد أرسل إليه يستعيره سلاحه فقال صفوان طوعا أو كرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية رادة فأعاره مائة درع بأداتها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنينا والطائف ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها ومعه صفوان بن أمية جعل صفوان ينظر إلى شعب ملاء نعما وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال (أبا وهب يعجبك هذا الشعب) قال نعم قال (هو لك وما فيه) فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأسلم مكانه.

(د) التوازن النبوي بين الحزم واللين.

(فرغم ما حباه الله به من الحلم والرأفة إلا أنه الحلم والرأفة التي لا تجاوز حدها فكان صلى الله عليه وسلم يغضب للحق إذا انتهكت حرمات الله فإذا غضب فلا يقوم لغضبه شيء حتى يهدم الباطل وينتهى وفيما عدا ذلك فهو أحلم الناس عن جاهل لا يعرف أدب الخطاب أو مسئ للأدب أو منافق يتظاهر بغير ما يبطن).

فعن عائشة رضي الله عنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله) رواه أحمد ، وعن جابر رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت نذير قوم أتاهم العذاب فإذا ذهب عنه ذلك رأيته أطلق الناس وجها وأكثرهم ضحكا وأحسنهم بشرا) رواه البزار.

ولما نكث بنو قريظة العهد وتحالفوا مع الأحزاب على حرب المسلمين ثم رد الله كيدهم في نحورهم وأمكن الله رسوله منهم رضوا بحكم سعد بن معاذ كما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم سعد أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وزراريهم فتهلل وجه الرسول وقال (لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سماوات) فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم في يوم واحد أربعمائة رجل صبرا. وروى ابن إسحاق في قصة أسرى غزوة بدر قال: ومنهم أبو عزة الشاعر كان محتاجا ذا بنات فقال يا رسول الله لقد عرفت مالي من مال وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علىّ فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحد فقال أبو عزة في ذلك شعرا يمدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا عزة هذا نقض ما كان عاهد عليه الرسول ولعب المشركون بعقله فرجع إليهم فلما كان يوم أحد أُسر فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أدعك تمسح عارضيك وتقول خدعت محمدا مرتين)) ثم أمر به فضربت عنقه. وعن المسور بن مخرمه رضي الله عنه قال خطب علىّ بنت أبى جهل وعنده فاطمة فسمعت بذلك فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك وهذا على ناكح ابنه أبى جهل فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وقال أما بعد فإني أنكحت أبى العاص بن الربيع فحدثني وصدقنى وإن فاطمة بضعة منى يريبنى ما يريبها والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا قال فترك علىّ الخطبة. إنه اللين الذي لا يعرف الخور والحزم الذي به تكون الرجال فصلوات الله وسلامه عليه.

لقد سجل لنا التاريخ سير آلاف المصلحين والزعماء الذين عاشوا مناضلين من أجل فكرة أو مبدأ أفاد شعوبهم أو الإنسانية عامة ولكن لم تجتمع كل المبادئ الطيبة إلا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت والقيادة والأخلاق والعبادة والكثير من أوجه الحياة التي استنارت بمبعثه فصلوات الله عليه في الأولين والآخري

---------------
16.اعرف نبيك صلى الله عليه وسلم



الحمد لله الذي أوضح لنا سبيل الهداية، وأزاح عن بصائرنا ظلمة الغواية، والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للمالكين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن من خير ما بذلت فيه الأوقات، و شغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة، والأيام المحمدية الخالدة، فهي تجعل المسلم كأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بالمسلمين، وربما تخيل أنه واحد من هؤلاء الكرام البررة التي قامت على عواتقهم صروح المجد ونخوة البطولة.

وفي السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ، وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب.

وفيها أيضاً: يتلمس المسلم نقاط الضعف والقوة؛ وأسباب النصر والهزيمة، وكيفية التعامل مع الأحداث وإن عظمت.

وبدراسة السيرة النبوية يستعيد المسلمون ثقتهم بأنفسهم، ويوقنون بأن الله معهم وناصرهم، إن هم قاموا بحقيقة العبودية، له والانقياد لشريعته: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]. {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].

وهذه عبارة عن رؤوس أقلام وجمل يسيرة في سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، قصد بها فتح الطريق أمام ناشئة المسلمين وشبيبتهم لدراسات أعمق لهذه السيرة النبوية الخالدة. قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} [الفتح:29].

نسبه صلى الله عليه وسلم:

هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو المتفق عليه في نسبه صلى الله عليه وسلم واتفقوا أيضاً أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام.

أسماؤه صلى الله عليه وسلم:

عن جبير بن مطعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لي أسماء، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد)) [متفق عليه]. وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)) [مسلم].

طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم:

اعلم رحمني الله وإياك أن نبينا المصطفى على الخلق كله قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد صلى الله عليه وسلم من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) [مسلم]، وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها)) [البخاري].

ولادته صلى الله عليه وسلم:

ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعاً.

قال علماء السير: لما حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.

وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت، انه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام)) [أحمد والطبراني].

وتوفي أبوه صلى الله عليه وسلم وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول.

رضاعه صلى الله عليه وسلم:

أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.

ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال: ((زوروا القبور فإنها تذكر بالموت)) [مسلم]. فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك.

صيانة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية:

وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم . [أحمد والحاكم وصححه].

زواجه صلى الله عليه وسلم:

تزوجته خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها.

وماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أولاده صلى الله عليه وسلم:

كل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.

فالذكور من ولده:

القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب.

وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.

بناته صلى الله عليه وسلم:

زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً. قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف. والبنون ثلاثة على الصحيح.

مبعثه صلى الله عليه وسلم:

بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه.

فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ.. قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ.. فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.

ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.. دثروني، فأنزل الله عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر:1-4]. فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له.

قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: {فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر:94]. فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف ((يا صباحاه!)) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟)) قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ} إلى آخر السورة. [متفق عليه].

صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى:

ولقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارا من الظلم والاضطهاد فخرجوا.

قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع فيه حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك).

وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: ((اللهم عليك بالملأ من قريش)). وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟

رحمته صلى الله عليه وسلم بقومه:

فلما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم: ((انطلقت يعني من الطائف وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب ميقات أهل نجد فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين جبلان بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً)) [متفق عليه].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: ((من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي!)).

ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.

هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وعني أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.

غزواته صلى الله عليه وسلم:

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، لَيهَلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعثَ ستاً وخمسين سرية.

حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتماره:

لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها. والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.

صفته صلى الله عليه وسلم:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون - أي أبيض بياضاً مشرباً بحمرة - أشعر، أدعج العينين أي شديد سوادهما أجرد أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه -، ذو مَسرُبه أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.

أخلاقه صلى الله عليه وسلم:

كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: {إنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم:4]. وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد، ولا يدُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار، وكان صلى الله عليه وسلم يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.

وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، وقال: {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي} [الترمذي وصححه الألباني]، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا!!

وما زال صلى الله عليه وسلم يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.

فضله صلى الله عليه وسلم:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة)) [متفق عليه]. وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)). وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع)).

عبادته ومعيشته صلى الله عليه وسلم:

قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً) [متفق عليه]، وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَمَ محشوّاً ليفاً!! وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه والدقل ردئ التمر -!! ما ضره من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته آمين، آمين.

من أهم الأحداث:

الإسراء والمعراج: وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة.

السنة الأولى: الهجرة - بناء المسجد - الانطلاق نحو تأسيس الدولة - فرض الزكاة.

السنة الثانية: غزوة بدر الكبرى وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم.

السنة الثالثة: غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة بسبب مخالفة تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونظر الجنود إلى الغنائم.

السنة الرابعة: غزوة بني النضير وفيها أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عن المدينة لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين.

السنة الخامسة: غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة.

السنة السادسة: صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريماً قاطعاً.

السنة السابعة: غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضاً تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَيّ.

السنة الثامنة: غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف.

السنة التاسعة: غزوة تبوك وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسمي هذا العام عام الوفود.

السنة العاشرة: حجة الوداع، و حج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم.

السنة الحادية عشرة: وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلاف في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

المصادر:

- تهذيب الأسماء واللغات للنووي.

- التبصرة والحدائق لابن الجوزي.

- زاد المعاد لابن القيم.

- السيرة النبوية للذهبي.

- جوامع السيرة النبوية لابن حزم.

- الفصول في سيرة الرسول (ابن كثير).

- صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي.

وأصلي على النبي الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وما كان من صواب فمن الله عز وجل وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.

---------------
17.العظمة المحمدية



محمد بن إبراهيم الحمد

الحديث عن السيرة النبوية حديث تنشرح له الصدور، وتنطلق له الأسارير، وتخفق له الأفئدة.

كيف لا وهو حديث عن أكرم البشرية، وأزكاها وأبرها، وعظيم لو طالعت كتب التاريخ والسير عربية وغير عربية، وأمعنت النظر في أحوال عظماء الرجال من مبدأ الخليقة إلى هذا اليوم - فإنك لا تستطيع أن تضع يدك على اسم رجل من أولئك العظماء، وتقص علينا سيرته ومزاياه وأعماله الجليلة حديثاً يضاهي أو يداني ما تُحدَّث به عن هذا الرسول العظيم.

وغير خفي على مَنْ يَقْدُر هذا النبي قدره أن ليس في طوق كاتب -ولو ألقت إليها البلاغة أعنتها- تقصي المعاني التي انطوت في هذه السيرة العظيمة.

وإن من يبتغي عظمةَ رجلٍ بحق فليبحث عنها في ناحية عقله، وعلمه، وخلقه، وإخلاصه، وعزمه، وعمله، وحسن بيانه.

ولقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- راجحَ العقل، غزيرَ العلم، عظيم الخلق، شديد الإخلاص، صادق العزم، جليل العمل، رائع البيان.

أما رجحان عقله فمن دلائله بعد اختصاص الله له بالرسالة أنه نشأ بين قوم يعبدون الأصنام، ويتنافسون في مظاهر الأبهة والخيلاء، وينحطون في شهواتهم إلى المنزلة السفلى، فلم يكن لهذه البيئة المظلمة من أثر في نفس محمد -صلى الله عليه وسلم- قليل أو كثير؛ فانبذ بين هذه الظلمات المتراكمة مكاناً يخلو فيه بنفسه، ويقدح فيه زناد فكره، ويناجي فيه ربه؛ فإذا نورُ النبوة يتلألأ بين جنبيه، وحكمة الله تتدفق بين شفتيه.وأما علمه فهو ما يزكي النفوس، وينقي الأبصار، ويرفع الأمم إلى ذروة العز والشرف، حتى تحرز الحياة الطيبة في الأولى والسعادة الباقية في الأخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:17 pm

ومَنْ يتدبر القرآنَ والأحاديث الثابتة حتى يتفقه فيما انطويا عليه من حقائق وحكم وآداب -يلف رأسه حياءً من أن ينفي عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عظمة العلم تحت اسم الفلسفة متكئاً على أنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب.

وقد خرج من بين يدي محمد -صلى الله عليه وسلم- رجال عظماء، ولم يتلقوا من العلم غير ما كانوا يتلقونه في مجلسه من حكمته، فكانوا منبع علم وأدب، وأدركوا في حصافة الرأي وقوة الحجة الأمد الأقصى.

وأما خُلقه فهذه السيرة المستفيضة في القرآن وعلى ألسنة الرواة وأقلامهم تنطق وتلوح بأنه قد بلغ الذروة في كل خلق كريم، وبَسْطُ القول في هذا الصدد لا يغني فيه سفر، بل أسفار.

وأما إخلاصه فقد كان صافي السريرة لا يبغي إلا هدياً، ولا ينوي إلا إصلاحاً، والإخلاص روح العظمة وقطب مدارها.

وأقرب شاهد على إخلاصه في دعوته أنه لم يحد عن سبيل الزهد في هذه الحياة قيد أنملة؛ فعيشه يوم كان يتعبد في غار حراء كعيشه يوم أظلت رايته البلاد العربية، وأطلت على ممالك قيصر من ناحية تبوك.

وأما صدق عزيمته فقد قام -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى العدل ودين الحق ويلقى من الطغاة والطغام أذىً كثيراً، فيضرب عنه صفحاً أو عفواً، ويمضي في سبيل الدعوة لا يأخذه يأس، ولا يقعد به ملل، ولا يثنيه جزع، وقد ظهر دين الله وَعَلتْ حكمته بهذا العزم الذي تخمد النار ولا يخمد.

وأما عمله فتهجد وصيام، وتشريع وقضاء، ووعظ وإرشاد، وسياسة وجهاد، وهل من سيرة تُبْتَغى لعظمة يرضى عنها الله، ويسعد بها البشر غير هذه السيرة؟

وهل يستطيع أحد أن يدلنا على رجل كان ناسكاً مخلصاً، ومشرعاً حكيماً، وقاضياً عادلاً، ومرشداً ناصحاً، وواعظاً بليغاً، وسياسياً أميناً، ومجاهداً مصلحاً، وفاتحاً ظافراً، وسيداً تذوب في محبته القلوب، غير المصطفى -عليه الصلاة والسلام-؟

وأما حسن بيانه فقد أحرز -عليه الصلاة والسلام- من خصلتي الفصاحة والبلاغة الغاية التي ليس وراءها لمخلوق غاية، فانظروا إن شئتم إلى مخاطباته وخطبه وما يضربه من الأمثال، وينطق به من جوامع الكلم تجدوا جزالة اللفظ، ومتانة التركيب، وسهولة المأخذ، إلى رفعة الأسلوب، إلى حكمة المعنى.

عَظَمَةٌ انتظمت من هذه المزايا العالية؛ فبلغت حد الإعجاز، وكل درة في عقد حياة محمد -عليه الصلاة والسلام- معجزة.

هذا وإن مما يبعث على الأسى، ويدعو إلى الأسف والحسرة ما تناقلته وسائل الإعلام في الأيام الماضية، حيث تناولت ما تبثه صحف الدانمارك والنرويج تلك الصحف التي ما فتئت تنال من مقام النبوة بأسلوب ساخر، ينم عن حقد دفين، وحسد يأكل قلوبهم، ويأبى لها إلا تغالط محل الحقائق، وتتيه في أودية الزور والبهتان؛ ظانين أن ذلك ينزل من مقام النبوة الأعظم فتيلاً أو قطميراً.

وفي تعب من يحسد الشمس نورها *** ويجهد أن يأتي لها بضريب

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].

ولقد ساء ذلك الفعل الشائن قلوب المسلمين، وتتابعت أقلام الكتاب في رد ذلك الزيف، وإبطال ذلك الكيد؛ فكان من ذلك بعثٌ لفضائل هذا النبي الكريم -عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم-.

وإذا أراد الله نشر فضيلة *** طويت أتاح لها لسان حسود

وفضيلة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تطوَ، وإنما تتجدد، وتتلألأ كالبدر في سماء صاحية، وكالشمس في رأْد الضحى.

---------------
18.محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. د. سفر الحوالي



محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

الشيخ/ سفر الحوالي



1 - معنى المحبة وتعريفهـا:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

معنى المحبة في اللغة معروف، وهي في الشرع: أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي للمحبوب؛ فمحبة الله تعالى، ومحبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومحبة المؤمنين، ومحبة ما شرع الله من الدين، هي أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي إلى شيء من ذلك؛ إذ لا بد فيها من جانب اختياري تكليفي.

وباصطلاحاتنا المعاصرة أقول: إن المحبة الشرعية ليست مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان وحده، وإنما هي متعلقة بالوجدان والعاطفة، والعقل والإرداة، والعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح؛ إذ أنها جزء مهم من الإيمان.

والإيمان عند أهل السنة والجماعة كما هو معلوم للجميع قول وعمل، أي: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، كما هو مبين في مواضعه.

وعلى هذا فمن ظن أن محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي مجرد الميل الطبيعي والوجداني له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو غالط غلطاً بيناً؛ لأن هذا الظن هو الذي أوقع طوائف من الأمة في التفريط في اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك سنته، ونبذ شريعته، وترك تحكيمه، وترك التأدب معه، وأوقعهم في التقديم بين يدي هديه وحكمه، هذا مع تعلقهم العاطفي بذاته، وتغنيهم بشمائله، وإعجابهم بكماله، وربما بكائهم لتذكره، ولهجهم بالصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكذلك من قال: إن معنى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي طاعته، وامتثال أمره، والتمسك بسنته، فهو مقصر عن إصابة كبد الحقيقة في هذا، إذ أن هذا هو تفسير لها باللازم والمقتضى.

فالطاعة والامتثال هو لازم المحبة ومقتضاها لا حقيقتها، ومعناها والتحقيق في ذلك: أنها أمر زائد على ذلك يجمع ويشمل ما ذكرنا آنفاً، فالمحبة بهذا الاعتبار أمر عظيم من أمور الإيمان.



وقد بين ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله تعالى، يقول 'إذا كان الحب أصل كل عمل من حقٍ أو باطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما أن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالعملان القلبيان العظيمان إذاً هما المحبة والتصديق، المحبة هي أصل جميع الأعمال والتصديق هو أصل جميع الأقوال الإيمانية'.

ويقول رحمه الله في موضع آخر:

'أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحب الله هو أصل التوحيد العملي وهو أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن العبادة أصلها أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع وهذا هو الإسلام'.

وقال: 'أصل الإشراك العملي في الله الإشراك في المحبة، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

وكما هو معلوم أن تأليه الله تبارك وتعالى أو الشهادة بأنه لا إله إلا الله، قيل: إنها مشتقة من الأله أو من الوله، فالأله هو: العبادة، كما في الآية وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف:127] وأما إن كان من الوله فالمقصود بالوله هو: درجة عليا من درجات المحبة، وهي تعلق القلب بهذا المألوه الذي هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المعبود وحده لا شريك له.

ومن هنا وقع شرك المشركين حين أحبوا غير الله، وتعلقت قلوبهم به، ونتج عن ذلك أن دعوهم واستغاثوا بهم وعبدوهم من دون الله سبحانه، وصرفوا لهم الحق الخالص لله عز وجل، وهذا المعنى الواسع العميق للمحبة عند أهل السنة والجماعة هو الذي يميز محبتهم عن المحبة العاطفية الهائمة، التي يدَّعيها الصوفية دون أي أساس من الشرع.

وهذه المحبة التي يدعونها هي شحنه عاطفية يمكن أن تفرغ بقصيدة من الشعر أو حفلة أو ذكر أو حضرة، أو بأي نوع من أنواع المتفرغات العاطفية وينتهي مفعولها، بخلافها عند أهل السنة والجماعة؛ حيث تشمل عمل القلب وعمل الجوارح التي ترتبط بعمل القلب، فيكون المحب في هذه الحالة مطيعاً وذاكراً ومتعلق القلب بالمحبوب.

وأما المحبة الصوفية أو المحبة البدعية الهائمة، فهي تلك المحبة التي عبَّر عنها السلف الصالح بأنها زندقة، حيث قالوا: 'من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن' وهذا هو القول الصحيح، وقد عبَّر عن هذه المحبة الزنديقية تصديقاً لهذا القول القديم المأثور الشاعر الصوفي المشهور ابن عربي حين قال قاتله الله:

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقـد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعىً لغزلان، وديراً لرهبان

وبيـتاً لأوثـان، وكعبةَ طائف وألواحَ توراةٍ، ومصحفَ قرآن

أديـنُ بدينِ الحبِّ أَنَّى تَوَجَهَت رَكـَائِبُه فَالـحُبُّ ديني وإيماني



فلما أصبحت المحبة بهذا المعنى، وأصبحت محبة الله ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي هذا الهيام العاطفي الذي لا يحده ضابط ولا قيد؛ وقعت الأمة أو الطوائف التي اعتنقت هذه المحبة في الغلو العظيم، على ما سوف نوضحه -إن شاء الله- في الفقرة المناسبة له، وخرج بذلك عن حد المحبة الشرعية، وحقيقتها، وما ذلك إلا لجهلهم لهذه المحبة التي شرعها الله والتي لا يقبل الله تبارك وتعالى إلا هي.

2 - مقتضيات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لوازم ومقتضيات محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة جداً، نرجو الله تعالى أن يوفقنا لنظم أشتات الحديث فيها:



(1) تحقيق الشهادة له صلى الله عليه وسلم:

وأعظم ذلك هو تحقيق الشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه رسول الله، هذه الشهادة التي هي ركن التوحيد، والشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة التي تعني طاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما أمر، وتعني كذلك اجتناب كل ما نهى عنه وزجر، وتعني تصديقه في كل ما أخبر به، وتعني ألاَّ يعبد الله إلا بما شرع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32].

فلا بد من اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بد من طاعته؛ وهذا الاتباع والطاعة يرث العبد بهما محبة الله فتورث محبة الله تبارك وتعالى بذلك، وهذه هي الغاية العظمى التي يسعى إليها كل المؤمنين، كما قال بعض السلف: 'ليست العبرة بأن تُحِبْ، ولكن العبرة بأن تُحَبَّ'.

فمن أحبه الله تبارك وتعالى، فقد وفقه لكل خير، وتحقق محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للعبد لا يكون إلا بأن يحقق العبد اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] وبالطبع اتباع الله واتباع دين الله وشرعه.

(2) الاقتداء به صلى الله عليه وسلم:

ومن ذلك الاقتداء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي به، كما قال عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فلا بد من الاقتداء به والتأسي به في هديه وخلقه ومعاملته وكل أحواله في البيت، والمسجد، وفي الطريق، في السِّلْم، والحرب، وفي كل الأحوال، وهذا الاقتداء هو حقيقة أو هو علامة ولازم تلك المحبة، التي يجب أن تكون كما أشرنا.

وقد ورد حديث عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه حسنه الشيخ الألباني بل ذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة في الجزء الذي لم يخرج، قال: { أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ يوماً فجعل الصحابة يتمسحون بوضوئه وذلك تبركاً منهم بوضوئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحملكم على هذا -أي: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره }.

ولو تأملنا خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدنا أنه أصدق الناس لهجة، وأنه أعظم الناس أمانةً، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس جواراً، فهذا نوع وجزء من شمائله العظمى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجب الاقتداء به فيها، وهذا هو تحقيق محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولازمها ومقتضاها.

(3) تحكيمه في كل موضع نزاع:

ومن أعظم لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحكيمه في كل موضع نـزاع، فلا يقدم قول أحد ولا رأيه ولا اجتهاده ولا نظره، ولا حكمه على قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمه، يقول الله تبارك وتعالى في هذا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

وهذه الآية كما ذكر ابن القيم رحمه الله في شرح المنازل، هذه الآية شملت مراتب الدين الثلاثه، ففيها المقامات الثلاثة: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، فالتحكيم في مقام الإسلام فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65].

فمن لم يحكم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا يكون مسلماً، والإيمان في مقام نفي الحرج فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] فمن انتفى عنه الحرج فهو مؤمن -أي: حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتفى عنه الحرج بما حكم به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا هو المؤمن.

وأعلى من ذلك وأجل هو تحقيق مرتبة الإحسان وهي التسليم المطلق وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فيسلم المؤمن تسليماً مطلقاً لما حكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما أمر ولما أخبر به من خبر فلا يعرضه لا على عقله ولا على رأيه ولا على مذهبه ولا على قول شيخه، ولا على أي مخلوق أو أي فكر بشري.

وإنَّ مما يجب أن ننبه عليه في هذا المقام، هو ذلك المنكر العظيم الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية أو طوائف كبيرة منها مع دعوى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع إظهار بعض الشكليات التي يظنون بها أنهم قد أدوا حقه وأظهروا محبته وزعموها، وذلك هو: تحكيم القوانين الوضعية في شئون حياتهم، ومعارضة سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وحكمه وشريعته بتلك الأحكام.

فهذه جرأة على الله، وجرأة على مقام النبوة، بل هي إهدار وحط من مقام الرسالة؛ لأن معنى الشهادة بأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أن يشهد العبد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أرسل هذا الرسول إلينا لنطيعه ونتبع أوامره، ونلتزم بكل ما يأمرنا به فيما هو إلا رسول مبلغ من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فالذين يرفضون حكم الله ورسوله ولا يقيمون شرع الله ودينه في أنفسهم ولا في مجتمعاتهم ولا في شئون السياسة أو الحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو مناهج التعليم، أو أي ناحية من نواحي الحياة فلا ينفعهم أنهم يقيمون له الموالد أو ينشدون له الأناشيد، أو يحيون ذكريات بدعية في ليلة الإسراء والمعراج وما أشبهها، ويزعمون بعد ذلك أنهم مؤمنون وأنهم يعظمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وربما ذهب بهم الشيطان إلى أبعد من هذا فَعَادوا من يُطبِّق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتمسك بها ويقتدي بهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحجة أنه مبغض للرسول، أو أنه خارج عن هديه، وينبزونه بأشنع التهم، والألقاب.

فهذا من أعظم المنكرات الدالة على أن هؤلاء الناس تركوا محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يقيمون له وزناً، ولا لرسالته ولا لمقام نبوته ولا لمنـزلته عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي فضله الله تعالى بها على العالمين أجمعين.

ولا شك أن هذا مخالف لحال المؤمنين من السلف الكرام والصحابة رضوان الله تعالى عليهم الذين حالهم كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51] فلا اعتراض، ولا منازعة، ولا مدافعة، ولا تردد، ولهذا قال: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51].

فلا يكون الفلاح إلا لهؤلاء الذين حكَّموا سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أعمالهم وحركاتهم ولم تكن لهم الخيرة فيما يقضي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

فلا اختيار مع أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل التنفيذ والامتثال، هذه هي لوازم محبته وهذا هو تحقيقها، وقد أمر الله تبارك وتعالى تبعاً لذلك بالرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] والرد إلى الله هو: الرد إلى كتابه عز وجل، إلى هذا الذكر الحكيم، والرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو: الرد إلى سنته، بأن يُسأل في حياته ويرجع إليه في الأمور، وبعد مماته يرجع إلى دينه وسنته، وهديه، فلا يكون لأحدٍ إيماناً إلا بذلك، كما قال: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

فمن ادَّعى الإيمان والمحبة مع عدم الرد إلى الله ورسوله في مواضع النـزاع والاشتباه في أي حال من الأحوال فقد نقض تلك المحبة وهو كاذب في دعواها، ولم يأتِ بلوازمها، ومقتضياتها.

وكما هو معلوم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الثابت: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }، وقد أشار الشراح رحمهم الله إلى أن هذه اللفظة (عليه أمرنا) فيها الجار والمجرور متعلق بمحذوف يقدر بـ(حاكماً أو قاضياً)، من عمل عملاً ليس أمرنا حاكماً عليه أو قاضياً عليه أو خاتماً عليه فهو رد، فمعنى ذلك: أن أعمال العباد يجب أن تكون تحت أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحت سنته وهديه وشرعه.

وكذلك في الحديث الآخر يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {فمن رغب عن سنتي فليس مني } فمهما ادَّعى من مدعي محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو راغب عن سنته فليس منه.

وأما صحابته الكرام الذين أحبوه ذلك الحب العظيم فإنهم رضي الله عنهم كانوا متمسكين بسنته، حريصين على التأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاقتداء به والاهتداء بهديه، والتأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم التقديم بين يديه.

(4) عدم التقديم بين يديه وغضّ الصوت:

وأيضاً مما يجب لتحقيق هذه المحبة وهو لازم عظيم من لوازمها:

التقديم بين يديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغض الصوت عنده يكون في حياته كما هو معلوم بالنسبة لشخصه ولذاته، وبعد مماته يكون بالتأدب مع سنته وغض الصوت، فلا يرتفع صوت رأي، ولا فكرة، ولا مذهب، ولا قياس فوق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



وقد كان الصحابة الكرام، يدركون هذا المعنى غاية الإدراك كما ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:{كنا عند عمران بن حصين في رهط منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذٍ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحياء خير كله -قال- أو قال: الحياء كله خير }.

الحديث المشهور المعروف { والحياء شعبة من الإيمان } والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {الحياء خير كله أو الحياء كله خير } هذا بلفظ عام لم يخصص بشيء، فقال بشير بن كعب: {إنا لنجد في بعض الكتب، أو الحكمة أن منه سكينة ووقاراً لله ومنه ضعف } يقول: نجد في بعض الكتب أو في بعض موروثات كتب الأولين أن من الحياء سكينةً ووقاراً ولكن أيضاً، أن منه ضعف.

{قال أبو قتادة: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارض فيه، ثم يقول أبو قتادة: فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران }.

ولا شك أن الغضب الثاني أشد من الغضب الأول، فلما رأى أولئك الرهط ثورة عمران، أخذوا يهدئونه قال أبو قتادة: {فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به }.

يقولون: يا أبا نجيد، إن بشيراً هذا منا، إنه ليس من أهل البدع ولا من أهل النفاق ولا من أهل الزيغ والضلال، فما حصل منه هو عمل أهل الزيغ وأهل الضلال وأهل النفاق الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: إن الأمر كذا، ولكن فلاناً قال كذا، ولكن العلماء قالوا كذا، ولكن المذهب فيه كذا، ولكن الشيخ الفلاني أفتى بكذا، إلى آخر ذلك.

ولذلك الإمام الشافعي رحمة الله عليه، عبَّر عن ذلك تعبيراً عظيماً حين جاءه رجل يسأله عن أمر من الأمور، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا -وتلا عليه حديثاً- فقال له الرجل: فما رأيك أنت؟ فغضب الإمام الشافعي رضي الله عنه، غضباً شديداً، وقال: أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زناراً؟! أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول ما رأيك أنت. فكانوا يعلمون ويدركون أنه لا رأي لأحد مع كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع هديه، ومع سنته.

(5) الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم:

يجب أو ينبغي أن ننبه إلى أمر عظيم من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الأمر العظيم قد جاء تفصيله في الشرع؛ فهناك مواضع تجب فيها الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصيغة أو بالصيغ الشرعية الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهناك مواضع تستحب فيها هذه الصلاة وتتأكد، وهناك أحوال بل نقول: إنها في كل حال، وفي كل وقت الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي قربة وذكر ونافلة وعبادة من أعظم العبادات وأجلِّها.

(6) عدم أذيته صلى الله عليه وسلم:

مما يجب أن يعلم أن من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدم أذيته، كما تفضل الشيخ عبد الله في مسألة الاستهزاء؛ بل إن الله سبحانه بيَّن أن أذيته هي شأن المنافقين وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة:61].

فأي قول فيه نوع من التحقير، أو التقليل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو الحط من قيمته، أو الأذية له أو لسنته فإنه من عمل المنافقين وهذا النفاق هو نفاق أكبر -نسأل الله العفو والعافية- وما من قلب ينعقد على شيء من بغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كراهيته ويكون صاحبه مؤمناً قط.

نعم. الناس يتفاوتون في محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفاوتاً عظيماً، ولكن المؤمن المسلم لا يخلو قلبه أبداً من شيء من محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن قل، أما أن يشتمل قلب أحدٍ من البشر بشيء من كراهيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا هو الكفر عياذاً بالله، ولا يجتمع الإيمان مع بغضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، ومن ذلك عدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زوجاته، وعدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صحابته الكرام.

فإن من آذاه في زوجاته أو في صحابته فكأنما آذاه في نفسه وفي شخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الواحد من الناس أو الواحد من البشر من آذاه في زوجته أو في صديقه، أو في حبيبه فلا شك أنه آذاه هو، فكيف بمن آذى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من ذلك؟! وهذا مما هو معلوم من جميع المسلمين -ولله الحمد- وإنما أحببنا أن ننبه فيه لأهميته.

[وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم]

---------------
19.وأين الشمس من دنس وعار



ماجد عبد الله

majed77744@hotmail.com

بكالوريوس في كلية الشريعة

مفكرة الإسلام: إن من الظلم لمحمد صلى الله عليه وسلم وإن من الظلم للحقيقة أن نقيسه بواحد من هؤلاء الآلاف من العظماء الذين لمعت أسماؤهم في دياجي التاريخ من يوم وجد التاريخ, فإن من العظماء من كان عظيم العقل ولكنه فقير في العاطفة والبيان, ومن كان بليغ القول وثّاب الخيال ولكنه عادي الفكر, ومن برع في الإدارة أو القيادة ولكن سيرته وأخلاقه كانت أخلاق السوقة الفجار.

ومحمد صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي جمع العظمة من أطرافها, وما من أحد من هؤلاء إلا كانت له نواح يحرص على سترها وكتمان أمرها، ويخشى أن يطّلع الناس على خبرها، نواحٍ تتصل بالشهوة أو ترتبط بأسرته، أو تدل على ضعفه وشذوذه، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو وحده الذي كشف حياته للناس جميعًا فكانت كتابًا مفتوحًا، ليس فيه صفحة مطبّقة ولا سطر مطموس، يقرأ فيه من شاء ما شاء, وهو وحده الذي أذن لأصحابه أن يذيعوا عنه كل ما يكون منه ويبلغوه، فرووا كل ما رأوا من أحواله في ساعات الصفاء، وفي ساعات الضعف البشري وهي ساعات الغضب والرغبة والانفعال, وروى نساؤه كل ما كان بينه وبينهنّ، هاكم زوجته عائشة رضي الله عنها تعلن في حياته وبإذنه أوضاعه في بيته، وأحواله مع أهله؛ لأن فعله كله دين وشريعة، وكتب الحديث والسير والفقه ممتلئة بها, لقد رووا عنه في كل شيء حتى ما يكون في حالات الضرورة البشرية، فعرفنا كيف يأكل، وكيف يلبس، وكيف ينام، وكيف يقضي حاجته، وكيف يتنظف من آثارها.

فأروني عظيماً آخر جَرؤ أن يغامر فيقول للناس: هاكم سيرتي كلها، وأفعالي جميعا، فاطّلعوا عليها، وارووها للصديق والعدو، وليجد من شاء مطناً عليها؟ أروني عظيماً آخر دُوّنت سيرته بهذا التفصيل، وعُرفت وقائعها وخفاياها بعد ألف وأربعمائة سنة، مثل معرفتنا بسيرة نبينا!!

والعظمة إما أن تكون بالطباع والأخلاق والمزايا والصفات الشخصية، وإما أن تكون بالأعمال الجليلة التي عملها العظيم، وإما أن تكون بالآثار التي أبقاها في تاريخ أمته وفي تاريخ العالم، ولكل عظيم جانب من هذه المقاييس تُقاس بها عظمته.

أما عظمة محمد صلى الله عليه وسلم فتقاس بها جميعها، لأنه جمع أسباب العظمة، فكان عظيم المزايا، عظيم الأعمال، عظيم الآثار, والعظماء إما أن يكونوا عظماء في أقوامهم فقط، نفعوها بقدر ما ضروا غيرها، كعظمة الأبطال المحاربين والقواد الفاتحين، وإما أن تكون عظمته عالمية، ولكن في جانب محدود، في كشف قانون من القوانين التي وضعها الله في هذه الطبيعة وأخفاها حتى نُعمل العقل في الوصول إليها، أو معرفة دواء من أدوية المرض، أو وضع نظيرة من نظريات الفلسفة، أو صَوغ آية من آيات البيان، قصة عبقرية، أو ديوان شعر بليغ، أما محمد فكانت عظمته عالمية في مداها، وكانت شاملة في موضوعها.

والذي جرّني إلى الحديث عن هذا الجزء اليسير من هذه السيرة العطرة ما انتشر وذاع من قيام بعض من لا خلاق له بالتطاول على نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم واستهتارهم بالمسلمين, فالواجب علينا نحن المسلمين تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القيام بهذه الأمور:

1- الدعاء عليهم.

2- المقاطعة الاقتصادية, فهي والله أشد عليهم من الاستنكار وغيرها، ونشرها في كل مكان.

3- الاستنكار لهذه الحادثة بكل وسيلة مستطاعة

---------------
20.محمد صلى الله عليه وسلم



هو نبينا وحبيبنا ، محمد صلى الله عليه وسلم .. النبي المصطفى .. والرسول المجتبى .. سيد الأولين والآخرين .. شفيع المذنبين بإذن الله .. قائد الغر المحجلين .

ذلكم النبي الذي أخرجه ربه من أفضل المعادن منبتا ، وأعز الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتخب منها أمناءه ، عترته خير العتر ، وأسرته خير الأسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوال ، وثمرة لا تنال ، فهو إمام من اتقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوؤه ، وشهاب سطع نوره .

سيرته القصد ، وسنته الرشد ، وكلامه الفصل ، وحكمه العدل ، أرسله ربه على فترة من الرسل، فترة ضل الناس فيها رشادهم ، ومجدوا عقولهم ، وملأوا الأرض جورا وظلما ، حتى استغاثت الأرض بالسماء ، فلطف الله بعباده فأرسله ربه رحمة للعالمين.

فكان أعدل الناس..

وأصدقهم لهجة ..

وأعظمهم أمانة ..

وأشجع الناس وأكرمهم ، اعترف له بذلك مجاوروه وأعداؤه ..

وكان أشد الناس تواضعا ..

وأبعدهم عن الكبر ..

كان أوفى الناس بالعهود..

وأوصلهم للرحم..

وأعظمهم شفقة ورأفة..

وأحسنهم عشرة وأدبا ..

كان يحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ..

كان لا يحقر فقيرا لفقره ، ولا يحسد غنيا لغناه ..

كان متواصل الأحزان ، دائم الفكرة..

ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ..

طويل السكوت ، يتكلم بجوامع الكلم ..

يعظم النعمة وإن دقت ، ويشكر إن كثرت أو قلت..

يؤلف أصحابه ولا يفرقهم..

يكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم..

ويتفقد أصحابه ويسأل عنهم..

كان خلقه القرآن ، بل كان وكأنه قرآن يمشي على الأرض..

كان أجود الناس بالخير..

كان أشد الناس حياء..

كان أطيبهم كفا ، وأزكاهم رائحة ..

كان كما وصفه ربه ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب :45] ،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:20 pm

- دلائل ومعجزات النبوة
شبهات وأباطيل



قصة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قصة قديمة بدأت فصولها مع بداية وجود الإنسان على الأرض، وسوف تتواصل فصولها طالما كان هناك إنسان في هذا الوجود.

وعندما ظهر الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم يتوقف سيل الشبهات التي يثيرها المشككون من خصوم هذا الدين تشكيكا في مصادره أو في نبيه أو في مبادئه وتعاليمه. ولا تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم في أثواب جديدة يحاول مروجوها أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا.

ومن المفارقات الغريبة في هذا الصدد أن يكون الإسلام – وهو الدين الذي ختم الله به الرسالات ، وكان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض – قد اختص من بين كل الديانات التي عرفها الإنسان سماوية كانت أم أرضية بأكبر قدر من الهجوم وإثارة الشبهات حوله.

ووجه الغرابة في ذلك يتمثل في أن الإسلام في الوقت الذي جاء فيه يعلن للناس الكلمة الأخيرة لدين الله على لم ينكر أيا من أنبياء الله السابقين ولا ما أنزل عليهم من كتب سماوية ، ولم يجبر أحد من أتباع الديانات السماوية السابقة على اعتناق الإسلام . ولم يقتصر الأمر على عدم الإنكار ، وإنما جعل الإسلام الإيمان بأنبياء الله جميعا وما أنزل عليهم من كتب عنصرا أساسيا من عقيدة كل مسلم بحيث لا تصح هذه العقيدة بدونه.

ومن شأن هذا الموقف المتسامح للإسلام إزاء الديانات السابقة أن يقابل بتسامح مماثل وأن يقلل من عدد المناهضين للإسلام.

ولكن الذي حدث كان على العكس من ذلك تماما. فقد وجدنا الإسلام – على مدى تاريخه – يتعرض لحملات ضارية من كل اتجاه . وليس هناك في عالم اليوم دين من الأديان يتعرض لمثل ما يتعرض له الإسلام في الإعلام الدولي من ظلم فادح وافتراءات كاذبة.

وهذا يبين لنا أن هناك جهلا فاضحا بالإسلام وسوء فهم لتعاليمه سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعى ، وأن هناك خلطا واضحا بين الإسلام كدين وبعض التصرفات الحمقاء التي تصدر من بعض أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء.

ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح الصورة الحقيقة للإسلام ، ونشر ذلك على أوسع نطاق.

ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ الإسلام في القيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل الأقوم للرد ، وهناك محاولات جادة بذلت في الفترة الأخيرة للدفاع عن الإسلام في مواجهة حملات التشكيك.

وسنعرض لبعض الشبهات التي أثارها الحاقدون والرد عليها بالحجة الدامغة.

الشبهة الأولى: حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة:

هناك من لا يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ، ويقدمون الأدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل الرسول صلى الله عليه وسلم ، زوجاته ، ونزلت الآية الكريمة التي تنهاه عن ذلك

الرد على الشبهة:

إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك عصمة كل الرسل - عليهم السلام - يجب أن تفهم في نطاق مكانة الرسول.. ومهمة الرسالة.. فالرسول: بشر يوحَى إليه.. أي أنه - مع بشريته - له خصوصية الاتصال بالسماء ، بواسطة الوحي.. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه ، كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.

والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ، والدعوة إليها ، والجهاد في سبيل إقامتها وتطبيقها.. وله على الناس طاعة هي جزء من طاعة الله - سبحانه وتعالى – {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ولذلك كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في هذا البلاغ الإلهي الذي اختيروا ليقوموا به بين الناس.. وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته ، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله، الذي يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهي.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون.

وفى التعبير عن إجماع الأمة على ضرورة العصمة للرسول فيما يبلغ عن الله.

الشبهة الثانية: قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من أصحاب الجحيم!

الرد على الشبهة:

ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟ مادام هو صلوات الله وسلامه عليه قد برئ من هذه الخطيئة ولاسيما في مرحلة ما قبل النبوة ، وكانت مرحلة الشباب التي يمكن أن تكون إغراء له ولأمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة ؛ لاسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك وكان الزنا فيه من الأمور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شبانًا وشيبًا أيضًا. وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ، وتُعلق على أبوابها علامات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ، وتعرف بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات.

ومع هذا الاعتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة ، ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقع فيها أبدًا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم وتقديرهم ، وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر. هذه واحدة والثانية: أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه وسلم حرّمت الزنا تحريماً قاطعاً وحملت آياتها في القرآن الكريم عقاباً شديداً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هي أن يجلد كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علناً بحيث يشهدها الناس لتكون عبرة وزجراً لهم عن التورط فيها

فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة في المجتمع الذي كان يراها عادية ومألوفة ، ثم كانت رسالته صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ، وتضع مرتكبيها في مرتبة الانحطاط والشذوذ عن الأسوياء من البشر..

فلِمَ يُعَيّر محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟! وهل يصح في منطق العقلاء أن يعيبوا إنساناً بما في غيره من العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الآخرين وخطاياهم ؟.

وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !

أن الإسلام يمتاز بأمرين مهمين:

أولهما: أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ولا يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح آيات القرآن يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ثم: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وورد هذا النص في آيات كثيرة.

أما الأمر الثاني: فيما أقره الإسلام في مسألة الخطيئة فهو أنها لا تورث، ولا تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو بين الآباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}.

{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ}.

{لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}.

{وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.

{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.

وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقرَّه الإسلام من أن الخطايا فردية وأنها لا تورث ولا يجزى فيها والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً.

وما دام الأمر فلا أن فلم يلام محمد صلى الله عليه وسلم ولا يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة مارسوا الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ولا يجزى فيها شيئاً أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها.

وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبداً في هذه الخطيئة لا قبل زواجه ولا بعده ، ثم كانت رسالته دعوة كبرى إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في المصرف الحلال الذي حض الإسلام عليه وهو النكاح الشرعي الحلال ، ودعا المسلمين إلى عدم المغالاة في المهور تيسيراً على الراغبين في الحلال.

الشبهة الثالثة: محمد صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله

الرد على الشبهة:

استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا الاتهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وهذه الآية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل عند إحداهن وأكل عندها طعامًا لا يوجد في بيوتهن ، فأسر إلى إحداهن بالأمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحرّم صلى الله عليه وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن.

والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحرّم ما أحل الله هو تصيّد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له..

فمطلع الآية {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} هو فقط من باب " المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني ليس اتهامًا له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحرّم شيئًا أو أمرًا أو عملاً أحلّه الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته من خلقه العالي الكريم.

ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.

وعليه فالقول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يحرّم ما أحل الله من المستحيلات على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.

فمقولة بعضهم أنه يحرّم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ، وما هو إلا وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه فهو بمثابة يمين له كفارته ولا صلة له بتحريم ما أحل الله.

الشبهة الرابعة: محمد صلى الله عليه وسلم أمي فكيف علّم القرآن ؟

الرد على الشبهة:

والأمي إما أن يكون المراد به من لا يعرف القراءة والكتابة أخذًا من " الأمية " ، وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخذًا من " الأممية " حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من ليس من جنسهم.

فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من لا يعرف القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ، بل لعله أن يكون تأكيدًا ودليلاً قويًا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو وحى أُوحى إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد ولا تعلمه من غيره. بهذا يكون الاتهام شهادة له لا عليه.

وقد رد القرآن على هذه المقولة ردًا صريحًا في قوله:

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}.

وحسب النبي الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يكون الكتاب الذي أنزل عليه معجزًا لمشركى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة ؛ بل ومتحديًا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من مثله.

كفاه بهذا دليلاً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ولا من الشعر ولا من قول البشر ".

أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد (أنه " أمي " على معنى أنه من الأمميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه. بل إنه لشرف له أنه من الأمميين أي أنه من غير اليهود.

ذلك لأن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " الأمميين " واعتبار أنفسهم وحدهم هم الأرقى والأعظم وأنهم هم شعب الله المختار ـ كما يزعمون.

كل هذا مما يتنافى تمامًا مع ما جاء به محمد (من المساواة الكاملة بين بني البشر رغم اختلاف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذي اعتبر اختلاف الأجناس والألوان والألسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أبدًا ـ لا يعطى تميزًا لجنس على جنس ، فليس في الإسلام ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم شعب الله المختار.

ولكن التمايز والتكريم في منظور الإسلام ؛ إنما هو بالتقوى والصلاح كما في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.



الشبهة الخامسة: محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الانتحار

الرد على الشبهة:

الحق الذي يجب أن يقال.. أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري ـ رضي الله عنه ـ ؛ لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة ، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ ، ومعروف أن البلاغات في مصطلح علماء الحديث: إنما هي مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن.

وقد علق الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بقوله:

" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ، وعنه حكي البخاري هذا البلاغ ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر ".

هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه.

وعلى كلٍ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.

والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم يعتني بها ، وقد قال القرآن الكريم في ذلك: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً}.

ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - في علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.

وحين فتر (تأخر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذي جمع بينه وبين حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ، فماذا في ذلك أيها الظالمون دائماً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما يدع ؟

وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الآية الكريمة: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}.

فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار ، ولكنها تعبير أدبي عن حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن الإسلام ، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى الله ، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.

وهذا خاطر طبيعي للنبي الإنسان البشر الذي يعلن القرآن على لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين-: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه}. فكان رده: {سبحان ربى} متعجباً مما طلبوه ومؤكداً أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم: {هل كنت إلا بشراً رسولاً}.

أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعاً.

حيث ثبت في صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة ، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير ، وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه فَحُفِظَ ، ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر بيانه في كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه.



الشبهة السادسة: مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم

الرد على الشبهة:

حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ، وبما لا يعيب ، واتهامه بما لا يصلح أن يكون تهمة ، حتى إنك لترى من يعيب إنساناً مثلاً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل القامة ، أو مثلاً قد أصيب بالحمى ومات بها ، أو أن فلاناً من الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن لونه أحمر مثلاً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلاء ويرفضونه ويرونه إفلاسًا وعجزًا.

أن محمداً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم.

وينقلون عن تفسير البيضاوي:

أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس - وهى امرأة سلام بن مشكم (اليهودي) - عن أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها: إنه يحب الذراع لأنه أبعدها عن الأذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى سمّ لا يلبث أن يقتل لساعته فسمَّت به الشاة ، وذهبت بها جارية لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا محمد هذه هدية أهديها إليك.

وتناول محمد الذراع فنهش منها.. فقال صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة ؛ ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت: نلت من قومي ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون اليهود في المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها.

ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي:

أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهري.

فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثرًا بذلك السُّم إلا أن جمع الله له بين الحسنيين ، أنه لم يسلط عليه من يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأيضًا كتب له النجاة من كيد الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم وما أعظم أجر الشهيد.

وأيضًا.. لا شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة وحياته بعد ذلك سنوات يُعد معجزة من معجزاته ، وعَلَمًا من أعلام نبوته يبرهن على صدقه ، وعلى أنه رسول من عند الله حقًا ويقينًا.

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الأجل الذي أجله له رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد ذلك بسنوات.



الشبهة السابعة: يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عليه

الرد على الشبهة:

الحق أن الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن المؤمنين ليست دليل حاجة بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ، وليست كما يزعم الظالمون لسد حاجته عند ربه لأن ربه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

لأن أي مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالات ، وأتم به التنزيل ، وأتم به النعمة ، فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالات.

لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم ومعاملات وما ينبغي أن تكون عليه من أخلاق وحضارة مما افتقدت مثل كماله كل الرسالات السابقة.

وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة عامة للبشرية كلها كما قال القرآن: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم رسولهم كما قال تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}.

{وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله}.

{وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله}.

وهكذا كل رسول كان مرسلاً إلى قومه..

لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى الناس كافة كما جاء في قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}.

ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي باحتياجات البشر جميعاً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة.

وفى هذا قال الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}.

وقال في وصفه لإكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم (الإسلام): {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ، وباعتبارها الرسالة الكاملة والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مصداقاً لقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}.



الشبهة الثامنة: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام.

الرد على الشبهة:

إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفا سواء ، وجودها مثل عدمها ، وعدمها مثل وجودها. فرسالة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها ، بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل " الخارجي " بطلت - لا سمح الله - تلك الرسالة ؛ فهي رسالة دليلها فيها ، ووجود البشارات بها في كتب متقدمة - زمنا - عليها لا يضيف إليها جديداً ، وعدم وجود تلك البشارات لا ينال منها شيئاً قط.

فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغنى عما سواها. ودليلها قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان ، باق بقاء رسالته أبد الدهر أشرق ولم يغب ، ظهر ولم يختف ، قوى ولم يضعف. علا ولم يهبط ، إنه دليل صدق الأنبياء كلهم. فكل الأنبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إلا ما جاء في هذا الدليل " القرآن العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله المكرمون..


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:25 pm

فلا يظنن أحدُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة برسول الإسلام إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لإثبات صدق رسول الإسلام في دعواه الرسالة. فرسول الإسلام ليس في حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره.

والبشارات موجودة في الكتب السابقة وقد وضعت فيه أبحاث وكتب من أراد الإطلاع عليها فليرجع مثلا إلى كتاب إظهار الحق للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا.



1. آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإثبات معجزاته الباهرة للعقول



اعلم أخي القارئ أنه قد كان في الأنبياء عليهم السلام من له المعجزة والنبوة معاً مثل موسى والمسيح عليهما السلام وقد ذهبت معجزاتهما بذهابهما، فلم يبق في أيدي الناس منها إلا ذكرها، ومنهم من كانت له نبوة ولم تكن له معجزة مثل زكريا وناحوم وميخا وملاخي وغيرهم، وها هو يوحنا المعمدان يقول عنه متىSad(يوحنا عند الجميع نبي)) متى 21: 26، و في موضع آخر((أفضل من نبي)) متى 11: 9 ورغم ذلك لم يأت بآية واحدة، يقول يوحناSad(فأتى إليه كثيرون و قالوا أن يوحنا لم يفعل آية واحدة)) يوحنا 10: 41. وقد أثبت كتاب النصارى المقدس نبوة جماعة من النساء مثل: مريم أخت موسى [خروج 15 عدد 20] وحنة بنت فنوئيل [ لوقا 2 عدد 36 ] وخلده [ 2 ملوك 22 عدد 14 ] ودبوره [ القضاة 4 عدد 4 ] وأستير، وغيرهن ولم يكن لواحدة منهن كتاب ولا معجزة إلا أنهن معدودات في زمرة الأنبياء عندهم.

وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له النبوة والمعجزة معاً وقد كانت معجزة القرآن الكريم المعجزة العقلية البيانية التي جاء بها الرسول الأمي هي من أعظم معجزاته وقد تميز بها على سائر الأنبياء ببقائها حتى قيام الساعة، أما معجزات من سبقه من الأنبياء فقد كانت معجزات حسية انتهت بانتهاء وقتها، فلو أنك سألت أي نصراني اليوم أرني معجزة من معجزات المسيح فلن يجيبك.

وبجانب معجزة القرآن الكريم - أخي القارئ - هناك الكثير من المعجزات والآيات الحسية قد قام بصنعها الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرتها الأحاديث الصحيحة وقد أشار إليها القرآن الكريم بكل وضوح كما في قوله تعالى في سورة الصافات: { وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا أن هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }

ففي هذه الآية الكريمة نجد أن الـتعبير بـ(وَإِذَا رَأَوْا آيَةً) يدل بوضوح على أنهم شاهدوا معجزة أو معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي أجمع عليه كافة علماء المسلمين المعتبرين في العالم ودلت عليه الروايات المتواترة أيضاً. ومن المسّلم به أن الآيات القرآنية سمعية وليست بصرية، وعليه لا يمكن أن يكون قوله تعالىSad(وَإِذَا رَأَوْا آيَةً)) عائد للآيات القرآنية، بالإضافة إلى ذلك فأن التعبير بـSad(السحر المبين)) يتناسب تماما مع الـمـعجزات وخوارق العادات، والواقع أن اتهامهم نبي الإسلام بالسحر، وترويجهم لهذه المسالة بشكل واسع يدل على أنهم رأوا منه خوارق عادات ومعجزات،

أما ما ذهب إليه البعض أن هناك آيات في القرآن الكريم تدل على أن نبي الإسلام لم يمتلك معجزة سوى القرآن الكريم واسـتـدلالهم بالآية 59 من سورة الإسراء التي تقول: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}، وكذلك بالآية 90 إلى 93 من سورة الإسراء والتي جاء فيها: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلاً * أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً}.

فالجواب عن ذلك هو:أن هؤلاء المشركين لم يكن يقترحون ويسألون عن تلك المعجزات اِسْتِرْشَادًا وطلباً للحق وإنما كانوا يَطْلُبُونَ ويقترحون ذَلِكَ كُفْرًا وَعِنَادًا فعند طلب أمثال هذه المعجزات مع الإعراض عن المعجزة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم والمعجزات الأخرى، عند ذلك لم يستجيب الله عز وجل لطلب المشركين، إذ أن طلبهم ليس لعدم قيام الحجة الكافية بل هو نوع من التعنت و التعجيز، و قد كانوا كلما رأوا معجزة يقولون سحر مستمر أو ساحر مبين كما ذكرنا سالفاً… وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} فحتى لو نزلت هذه الآيات فلسوف يعيدون ذلك القول.

فالحاصل: أن عدم إجابة المشركين على تعنتهم لا تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت بآيات، فإن هذا يرده التأمل في معجزة القرآن وما نقل من معجزاته صلى الله عليه وسلم المبثوثة في كتب الحديث ودلائل النبوة.

يقول أهل التفسير في قوله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } أي وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اقْتَرَحَهَا أَهْل مَكَّة إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ لَمَّا أَرْسَلْنَاهَا فَأَهْلَكْنَاهُمْ وَلَوْ أَرْسَلْنَاهَا إلى هؤلاء لَكَذَّبُوا بِهَا وَاسْتَحَقُّوا الإهلاك وَقَدْ حَكَمْنَا بِإِمْهَالِهِمْ لإتمام أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى الطبري عن الحسن فِي قَوْل اللَّه تَعَالى:{وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بِالآيات إلا أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} قَالَ: رَحْمَة لَكُمْ أَيَّتهَا الأمة، أنا لَوْ أَرْسَلْنَا بالآيات فَكَذَّبْتُمْ بِهَا، أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلكُمْ. وجاء في تفسير القرطبي: وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِل بالآيات الَّتِي اِقْتَرَحُوهَا إلا أن يُكَذِّبُوا بِهَا فَيَهْلِكُوا كَمَا فُعِلَ بِمَنْ كَأن قَبْلهمْ. فَأَخَّرَ اللَّه تَعَالى الْعَذَاب عَنْ كُفَّار قُرَيْش لِعِلْمِهِ أن فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِن وَفِيهِمْ مَنْ يُولَد مُؤْمِنًا. قال الإمام ابن كثير: وَكَذَلِكَ وَقَعَ فَإن مِنْ هؤلاء مَنْ أَسْلَمَ بَعْد ذَلِكَ وَحَسُنَ إسلامه حَتَّى عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة الَّذِي تَبِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ مَا قَالَ أَسْلَمَ إِسْلَامًا تَامًّا وَأنابَ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

أن المعجزات التي اقترحها هؤلاء لا تستند إلى أساس البحث عن الحقيقة، وإنما هي (اقتراحية) وتعللية، ولو نفذت طلباتهم لما آمنوا أيضًا.

هذا وأن الالتفات إلى الكلمة التي وردت في أقوال جمع من المفسرين الكبار توضح أن المعجزات على نوعين:

الـنـوع الأول: هي المعجزات الضرورية لإثبات صدق دعوى النبي، وترغيب الناس إلى الإيمان، وتخويف المنكرين، وهي المعجزات المنطقية لناشدي الحق والباحثين عن الحقيقة، بحيث يعبر القرآن في ذيل الآية الأولى منها بقوله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا}، (سورة الإسراء: 59).

الـنـوع الـثاني من المعجزات: هي المعجزات التي تسمى بـ(الاقتراحية)، أي المعجزات التي يطالب بها لا لأجل سلوك سبيل الحق واليقين بصدق دعوى النبوة ومن ثم الإيمان واعتناق الإسلام، وإنما بقصد تعجيز الطرف الآخر فأن وجدوا به قدرة على ذلك اتهموه بالسحر.

والأنبياء كانوا يتجهون صوب القسم الأول ولا يستسلمون إطلاقا لمقترحات المتعللين والمعجزات الاقتراحية. وفي الأناجيل التي مع النصارى نجد أن هناك حالات لم يقدر المسيح عليه السلام أن يعمل فيها معجزات كما في مرقس 6: 5:(ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة) ويقول مرقس أيضاًSadفخرج الفريسيون و ابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه، فتنهد بروحه، وقال: لماذا يطلب هذا الجيل آية؟ الحق أقول لكم: لن يعطى هذا الجيل آية. ثم تركهم…)(مرقس 8/11-13).

يـشير لحن الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء بشكل واضح إلى أن هذه المطالب العجيبة والغريبة لمشركي العرب لم يكن منشؤها هو البحث عن الحقيقة، بل الغاية منها هي اختلاق الأعذار والـتـشكيك في نبوة نبي الإسلام وإرساء دعائم الشرك والصنمية، ولذا لم يتمعنوا النظر حتى في مفهوم كلامهم، فمن ضمن مطالبهم مثلاً(الصعود إلى السماء)، ثم ينفون ذلك مباشرة ويقولون: نحن لا نؤمن بذلك حتى تبعث لنا كتابا من قبل اللّه، {أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } وتـارة يطلبون الأمور المستحيلة كقولهم: {وَقَالُوا لولا أنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [ الأنعام: 8 ]

ثم إذا كان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقيقة النبي فلم يطلبون ست معجزات مختلفة؟ أليس المورد الواحد منها كافيا؟.

من هنا لم يتسن لأي نبي أن يستسلم لهذا النوع من الأراجيف والأباطيل، فضلا عن أن الإعجاز ليس من شأن النبي واختياره، وإنما هو من شأن اللّه تعالى واختياره.

أن الـنـبي بإمكانه أن يطلب المعجزة من اللّه واللّه تعالى يضع بين يديه أي مورد يراه صالحًا، ولهذا نـقـرأ في ذيل الآيات 90 ـ 93 من سورة الإسراء هذا المعنىSadقل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولاً) وكذا في سورة الرعد آية 38:(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن اللّه).

مـلخص الكلام هو أنه من الصحيح القول: بأن القرآن لوحده معجزة خالدة، ولو لم يكن هناك معجزة أخـرى سـوى هذه المعجزة للنبي لاستطاعت أن تكون شاهداً على صدقه، ولكن هذا لا يدل على أن الـنبي لم يمتلك معجزات جسمانية ومادية غير هذه المعجزات الروحية والمعنوية، بل ذهبت الآيات والـروايـات والـتـواريخ ‌الإسلامية وسيرة النبي إلى القول: بأنه كان يمتلك ذلك، ولا شك في أن انـضـمـام الـمعجزات المحسوسة والمادية إلى تلك المعجزة المعنوية الكبيرة يظهر حقيقة الدعوة النبوية بصورة أجلى وأوضح.

ولنذكر الآن بعض من المعجزات الحسية التي قام بصنعها رسولنا الكريم:

1- معجزة نبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. [ صحيح البخاري ج 1 / ص 74] [ صحيح مسلم ج4 / ص 1783 ] [ صحيح ابن حبان ج/14 ص/ 477 ]

وروى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة(أي أناء صغير من جلد) يتوضأ فجهش الناس نحوه(أي تجمعوا) قال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. [ صحيح البخاري ج / 3 ص1310/ ] [ صحيح ابن حبان ج14/ص480 ]

والروايات في هذه المعجزة مشهورة بين الصحابة وقد رواها جمع كثير منهم أنس وجابر بن عبد الله وابن عباس، والبراء بن مالك وأبو قتادة، وغيرهم وخبرها متواتر مستفيض. وقد تكررت في أكثر من مناسبة.

2- معجزة شفاء علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة:

قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر:-(لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كلهم يرجو أن يعطاها فقال: "أين‏ ‏علي بن أبي طالب؟ ‏ ‏فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال ‏‏: "فأرسلوا إليه ‏(ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط. [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابة ]

وقد قام المسيح عليه السلام بالتـفل في عين أحد العميان فشفي من مرضه [ مرقس 8: 22 ]Sad(وجاء إلى بيت صيدا.فقدموا إليه أعمى وطلبوا إليه أن يلمسه. فاخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية وتفل في عينيه ووضع يديه عليه وسأله هل أبصر شيئًا.))

_ وأصيب سلمة يوم خيبر بضربة في ساقه، فنفث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث نفثات فما اشتكاها قد. عن يزيد بن أبي عبيد قالSad(رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس أصيب سلمة … فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة.)) [ صحيح البخاري ج 4 / 1541/ صحيح أبي داود / 3295 صحيح ابن حبان ج14 / ص 439]

_ وعن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن عبد الله بن عتيك لما قتل أبا رافع ونزل من درجة بيته سقط إلى الأرض فانكسرت ساقه، قال: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أبسط رجلك" فبسطها فمسحها فكأنما لم أشكها قط. [ صحيح البخاري ج 4 / ص 1483]

_ وعن معاذ بن رافع بن مالك عن أبيه قالSad(رميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء)) [ أخرجه ابن أبي شيبه والحاكم والبيهقي وأبو نعيم ]

3- معجزة ردّ عين قتادة بعد تدليها:

في غزوة أحد أُصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت وتدلت على وجـنته(أي على أحد خده) فردها عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة فبرأت على الفور، وصارت عينيه تلك أحسن عينيه... فتلك من آيات الله التي أيد الله بها رسوله. والرواية أخرجها ابن إسحاق في السيرة النبوية(3 / 30)، وابن حجر في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة النعمان، وأبو يعلى، والبيهقي في الدلائل، وأبو نعيم في الدلائل برقم(418، 417) وذكرها الحاكم في المستدرك(3 / 295)

4- معجزة شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم:

عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أدع الله أن يعافيني فقال: (إن شئت أخّرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وأن شئت دعوت لك) قال:لا، بل ادع الله لي قال:- فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء:-

(اللهم أني أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة،يا محمد أني أتوجه بك في حاجتي هذه فتُقضى،اللهم شفعة في) ففعل الرجل فبرأ،فشفاء هذا الضرير آية من نبوته [ رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/210،والطبراني في المعجم الكبير 9/19 وصححه وسلمه الذهبي، والبيهقي في دلائل النبوة 6/166 وغيرهم ]

وهذا الدعاء خاص في حياته صلى الله عليه وسلم وليس بعد مماته فلُيعلم.

5- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم:

عن أبن عباس رضي الله عنهما قال:-أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله أن به لمماً، وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا قال:- فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثعّ (أي قاء أو سعل مرة واحدة) فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى. [ رواه الدرامي ]

6- معجزة فيضأن ماء بئر الحديبية:

ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه لما كان بالحديبية هو وأصحابه سنة ست من الهجرة وكان بالحديبية بئر ماء فنزحها أصحابه بالسقي منها حتى لم يبقى فيها ما يملأ كأس ماء وكانوا ألفًا وأربعمائة رجل، وخافوا العطش فشكوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم، فجاء فجلس على حافة البئر، فدعا بماء فجئ به إليه فتمضمض منه،ومج ما تمضمض به في البئر، فما هي إلا لحظات، وإذا البئر فيها ماء فأخذوا يسقون فسقوا وملئوا أوانيهم وأدوات حمل الماء عندهم وهم كما تقدم ألف وأربعمائة رجل، وهم أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم قوله تعالى من سورة الفتح:-(لَقَد رَضِيَ الله عَنِ المُؤمِنِينَ إَذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الَشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأنزَلَ السَّكِيَنَة عَلَيْهِمْ وأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً). [ رواه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة ]

7- معجزة الطعام القليل يشبع العدد الكثير:

روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: قال أبو طلحة لأم سُليم: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت:نعم، فأخرجت أقراصًا من شعير، ثم أخرجت خِماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(أرسلك أبو طلحة؟) فقلت: نعم، قالSadبطعام؟) قلت:نعم، فقال:- رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه(قوموا) فأنطلق، وانطلقت ين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة:- يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(هلم يا أم سُليم ما عندك؟) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت، وعصرت أم سُليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول،ثم قال:-(ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا،ثم خرجوا، ثم قال،(ائذن لعشرة)، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال،(ائذن لعشرة) فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً.أليست هذه معجزة؟ بلى وربي أنها لمن أعظم المعجزات. [ صحيح البخاري / علامات النبوة ] [ صحيح مسلم / الأشربة ]

8- معجزة تكثير الطعام:

عن جابر ابن عبد الله عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه أتاه رجل يستطعمه ‏ ‏فأطعمه ‏ ‏شطر ‏وسق ‏ ‏شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته ووصيف لهم حتى كالوه فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: "‏لو لم تكيلوه لأكلتم منه ولقام لكم" [ صحيح مسلم في معجزات النبي ، رواه احمد في مسنده ]

قال أبو طلحة الأنصاري في حديثه المشهورSad(أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين رجلاً من أقراص شعير جاء بها أنس تحت إبطه)) [ البخاري في كتاب المناقب _ ومسلم 3 / 1612 والترمذي 5 / 595 والبيهقي في الدلائل ]

وقال جابر بن عبد اللهSad(أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق من صاع شعير وعناق(الأنثى من أولاد المعز) ألف رجل حتى تركوا وانحرفوا(مالوا عن الطعام)، وأن البرمة لتغط كما هي وأن العجين ليخبر)) [ البخاري في كتاب المغازي ومسلم 3 / 1610 والترمذي 5 / 595 ]

إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات المرات، وفي ظروف مختلفة، ومناسبات عديدة، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنهSad(‏كنا مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في مسير قال فنفدت ‏ ‏أزواد ‏ ‏القوم _ أي نفد زادهم واحتاجوا إلى طعام _ قال حتى هم بنحر بعض ‏ ‏حمائلهم ‏ ‏قال فقال ‏عمر: ‏يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها؟(أي بقاياه) قال ففعل قال فجاء ذو‏ ‏البر ‏ ‏ببره وذو التمر بتمره قال وقال ‏مجاهد ‏ ‏وذو النواة بنواه قلت وما كانوا يصنعون بالنوى قال كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم قال فقال عند ذلك: "‏أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا ‏ ‏يلقى الله بهما عبد غير ‏ ‏شاك ‏ ‏فيهما إلا دخل الجنة" [ صحيح مسلم، والنسائي ]

9 - معجزة تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم:

عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:- كانت لأمي أم سليم شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها ربيبة، فقالت:يا ربيبة أبلغي هذا العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سُليم قال:-(أفرغوا لها عكتها) فأفرغت العكة ودفعت إليها قالت:- فانطلقت بها، وجئت وأم سليم ليست في البيت،فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت:يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:- بلى قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت ومعها ربيية، فقالت يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن قال:-(قد فعلت، قد جاءت) قالت:والذي بعثك بالحق، ودين الحق أنها لممتلئة تقطر سمناً، قال أنس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-(يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه! كلي وأطعمي) قالت فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا، وتركت فيها ما أتئد منا به شهراً أو شهرين، فكون العكة تمتلئ بعد إفراغها والأكل منه طرة شهرين من معجزاته.

10- معجزة نزول المطر بدعائه:

روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة(جدب) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما رأينا في السماء قزعة (قطعة سحاب) فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار(أنتشر) سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر(يتقاطر) على لحيته قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال:"اللهم حوالينا ولا علينا" قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا فرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة (أي حتى صارت السحب والغيوم محيطة بالمدينة) في السحاب، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. [ صحيح البخاري / كتاب الجمعة ]

11- معجزة حنين جذع النخل شوقاً إليه صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالSad(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه، صاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر)) [ رواه البخاري ]

وحديث حنين الجذع هو حديث مشهور معروف متواتر قد خرجه أهل الصحيح ورواه الأكابر / من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم / أبي ابن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريدة وأم سلمة وسهل ابن سعد.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في كتاب المناقب(فتح 6/601) والترمذي في كتاب الجمعة(2 / 379،) والبيهقي في الدلائل(6 / 66).

12- معجزة تحول جذل الحطب سيفاً:

الجذل:هو عود غليظ من أصل الشجرة، لقد انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذل حطب فقال له:-(اضرب به) فانقلب في يده سيفاً، صارماً طويلاً أبيضاً شديد المتن، فقاتل به، ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة، وبعدما قتل بلعت الأرض ذلك السيف.

13- معجزة نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية، فشدوها على عمود فسطاط، فقالت: يا رسول الله أني أُخذت ولي خِشفان(الولد الصغير) فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم(أين صاحب هذه؟) فقال القوم نحن يا رسول الله قال:-(خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم) فقالوا من لنا بذلك؟ قال:-(أنا) فأطلقوها،فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت إليهم، فأوثقوها فمر بهم صلى الله عليه وسلم فقال:-(أين صاحب هذه؟) فقالوا:-هذا يا رسول الله فقال(تبيعونها؟) فقالوا:- هي لك يا رسول الله، فقال:-(خلو عنها فأطلقوها) فذهبت،فنُطقها آية من نبوته.

14- معجزة انقياد الشجر له صلى الله عليه وسلم: روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:- سهرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا وادياً أفيح(أي واسعاً رحباً) فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فأتبعتُه بإداوةٍ فيها ماء، فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذ شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ ببعض من أغصانها، وقال:-(انقادي علي بإذن الله) فانقادت معه كالبعير المخشوش (الذي جعل في أنفه الخشائش وهو العود، يجعل في عظم أنف الجمل لينقاد) الذي يُصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لاءم أي جمعهما، وقال:-(التئما إلي علي بإذن الله) فالتأمتا، قال جابر:- فخرجت أحضر(أي أعدو بشدة) مخافة أن يحس بقربي منه فيبعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني التفاته، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا. [ صحيح مسلم ]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:27 pm

وعن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بم أعرف أنك رسول الله؟ قالSad(أرأيت أن دعوت هذا العذق من الشجرة تشهد أني رسول الله؟)) قال: نعم. قال: فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط إلى الأرض ينقز، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفع ويمجد ويرفع حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لهSad(ارجع)) فرجع إلى مكانه، فقال الأعرابي: والله لا أكذبك بشيء تقوله بعدها أبداً، أنا أشهد أنك رسول الله، وآمن. [ أخرجه البخاري في تاريخه، والترمذي في أبواب المناقب(3628) وأخرجه البزار، وأبو يعلى ]

15 - معجزة سكون اضطراب الجبل بأمر الرسول:

روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقالSad(اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.)) وفي رواية: فضربه برجله وقالSad(أثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان)) [ رواه البخاري في كتاب فضال الصحابة] [صحيح ابن حبان ج14/ص415].

16 - من معجزاته صلى الله عليه وسلم إخبار الشاة له أنها مسمومة:

روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، ولما أكل منها أخبرته الشاة أنها مسمومة، فجيء باليهودية إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، قال: "لا، ما كان الله ليسلطك علي". [ متفق عليه ] [ أخرجه البخاري في كتاب الهبة ومسلم 4 / 1721 ] [البيهقي في الدلائل ]

17 - ومن علامات نبوته ذعر أبو جهل عندما أراد أن يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم:

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم فقال: واللات والعزى لإن رأيته يفعل ذلك لأطإن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، _ ليطأ على رقبته _ قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال: فقيل له مالك؟ فقال: أن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمSad(لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً)) [ صحيح مسلم 17/ 14 ]

18- من علامات النبوة إخباره عليه الصلاة والسلام عن غيوب مستقبلية فوقعت كما أخبر:

أولاً:- قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنهماSad(إن ابني هذا سيد وسيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين)) فكأن الأمر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصلح به بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله عنهم. [ رواه البخاري في صحيحه ]

ثانيًا:- قوله صلى الله عليه وسلم:-((اُثبت أُحد فإنما عليك نبي وصدّيق وشهيدان)).

فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فمات أبو بكر بمرض أصابه، وقُتل عمر في المحراب شهيداً،وقُتل عثمان في داره شهيداً، فرضي الله عنهم أجمعين. [ رواه البخاري ]

ثالثا: إخباره صلى الله عليه وسلم عن فتح القسطنطينية ورومية(روما)

روى أحمد في مسنده عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو ابن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً، أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمSad(مدينة هرقل تفتح أولاً)) يعني القسطنطينية. والحديث صححه الحاكم والذهبي ووافقهما الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

وقد وقع الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتحقق فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله كما هو معروف بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح.

رابعاً :- قوله صلى الله عليه وسلم:-(إن هذا قبر أبي رِغال، وإن معه غصناً من ذهب) فحفروه فوجدوه كما أخبر النبي صلى الله عله وسلم، وذلك حين كان ذاهباً إلى الطائف، فكان هذا الخبر آية نبوته صلى الله عليه وسلم.

خامساً:- قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بنت الأرتّ وقد جاء يشكو إليه ما يلقي المؤمنون كفار قريش، يطلب من أن يستنصر الله تعالى لهم، قال له وقد أحمر وجهه صلى الله عليه وسلم أو تغير لونه، فقال له:-(لقد كان من قبلكم تحفر له الحفرة، ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق نصفين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت، ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه). وقد تم هذا كما أخبر صلى الله عليه وسلم. [ صحيح البخاري ]

سادساً :- قوله صلى الله عليه وسلمSadمُنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أرد بها ودينارها، وعُدتم من حيث بدأتم) فهذا الخبر قد وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد منعت العراق، ومنعت الشام، ومنعت مصر، ما كانوا يؤدونه إلى أهل الحجاز من خراج وغيره، وعاد أهل الحجاز كما بدؤوا فمسهم الجوع، ونالهم بعد ما أصابهم من رغد العيش وسعة الرزق.

سابعاً :- قوله صلى الله عليه وسلمSad(الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)) فهذا الخبر من أنباء الغيب، إذ كانت خلافة أبي بكر سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة إلا اثني عشر يوماً، وكانت خلافة علي خمس سنوات إلا شهرين، وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، إذ كانت نحو من ستة أشهر، ثم نزل عليهما لمعاوية عام أربعين من الهجرة

أبو بكر 2 سنة 3 أشهر 20 يوم



عـمر 10 سنوات 6 شهر 4 أيام



عثمان 11 سنة 11 شهر 18 يوم



علـي 4 سنوات 10 أشهر



الحسن شهريــــــــن



المجـموع = 30 ســنة



ثامناً:- قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه،((افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) وذلك في حديث صحيح ونصهُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً(بستان) فدلى رجليه في القف(الدكة تجعل حول البئر يجلس عليها وتدلى الأرجل في الماء المستخرج من البئر) فقال أبو موسى وكان معه:- لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال:أفتح فقلت من أنت؟ قال أبو بكر، فأخبرتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالSadأفتح له وبشرهُ بالجنة) ثم جاء عمر، فقال كذلك، ثم جاء عثمان فقال: ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه)) فهذا الخبر من أنباء الغيب الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم.

تاسعاً: قوله صلى الله عليه وسلم:-((إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة،وإنه عارضني العام مرتين، وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي))، فبكت فاطمة ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأنها أول أهله لحوقاً به، فكان كما أخبر إذ ماتت بعده بستة أشهر، ولم يمت قبلها من آل البيت أحد، فكأن هذا الخبر آية من نبوته صلى الله عليه وسلم.

عاشراً: قوله صلى الله عليه وسلم لنسائه:-((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب)) وكان ذلك كما أخبر، فقد خرجت عائشة رضي الله عنها تُريد الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في وقعة الجمل، فلما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، فقالت رضي الله عنها:أي ماءٍ هذا؟ فقالوا: ماء الحواب،فقالت: ما أظنني إلا راجعه:فقال بعض من كان معها: بل تقدمي فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه سلم قال لنا ذات يوم:- قال:-((كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحواب)) فهذا الخبر الصادق قد وقع كما أخبر به قبل وقوعه بكذا سنة.

الحادي عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث احمد عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حين ولى غزوة العشيرةSadيا أبا تراب ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟) قلنا بلى يا رسول الله: قال(أحيمر ثمود، الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه - يعني قرنه - حتى يبل أي بالدم هذه أي لحيته) [ صحيح الجامع الصغير ]

فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد ضربه رضي الله عنه عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج بالكوفة فقتله على نحو ما أخبر عليه الصلاة والسلام.

الثاني عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم((سيكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند)) فهذا الخبر الصادق وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد فتح المسلمون الهند أيام معاوية سنة 44هـ أربع وأربعين ثم توالى الغزو والفتح كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

رابع عشر:- قوله صلى الله عليه وسلم في سُهيل بن عمرو:-(عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر) وذلك يوم صلح الحديبية حيث غضب عمر رضي الله عنه من تعنت سُهيل وكان ممثلاً لقريش يومئذ فقال له صلى الله عليه وسلم:-(عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر) وكان الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم واضطربت البلاد ونجم الكفر ووقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بباب الكعبة بمكة فخطب فثبت أهل مكة وقوى بصائرهم فحفظهم الله من الردة بسببه وهو موقف سر عمر والمؤمنين وصدق عليه الصلاة والسلام.

خامس عشر: النبي صلى الله عليه وسلم يخبر وهو في المدينة أن أمته ستفتح كنوز كسرى:

روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل. فقال: [يا عدي، هل رأيت الحيرة؟] قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: [فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار(الدعار هو الخبث الشديد) طيء الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى]. قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: [كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمأن يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك فيقول بلى فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى!! فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم]. قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اتقوا النار ولول بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة]. قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه.(رواه البخاري)

سادس عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده:

قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.

سابع عشر: الإخبار عن فتح خيبر من الغد فتم ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: قال عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر:-(‏‏(لأعطين هذه الراية غدا رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين ‏ ‏علي بن أبي طالب"‏ ‏فقيل هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال ‏‏: فأرسلوا إليه ‏(ائتوني به) فأُتي به فنفث في عينه بقليل من ريقه عليه الصلاة والسلام فبرأ لتوه ولم يمرض بعينه قط. [ رواه البخاري في كتاب الغزوات ورواه مسلم في باب فضائل الصحابة]

وفي الحديث معجزتين ظاهرتين للنبي صلى الله عليه وسلم الأولى إخباره بأن الله تعالى يفتح على يديه خيبر فكان كما أخبر، والثانية شفائه علي رضي الله عنه وأرضاه.

الثامن عشر: ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن مصارع المشركين في بدر قبل مصرعهم: روى مسلم في صحيحه وأحمد _ واللفظ له _ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فترائينا الهلال وكنت حديد البصر فرأيته فجعلت أقول لعمر: أما تراه، قال سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر، قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينا مصارعهم بالأمس، يقولSad(هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان غداً أن شاء الله تعالى)) قال: فجعلوا يصرعون عليها قال، قلت والذي بعثك بالحق ما أخطئوا تيك كانوا يصرعون عليها.

التاسع عشر: إخباره صلى الله عليه وسلم عن مقتل أمراء مؤتة قبل أن يأتي الخبر بمقتلهم:

روى البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحه فأصيب - وعيناه تذرفان _ حتى أخذها سيف من سيوف الله _ يعني خالد ابن الوليد رضي الله عنه _ حتى فتح الله عليهم)) [ الفتح 9 / 54 ]

عشرون: إخباره صلى الله عليه وسلم بفساد بعض أحوال المسلمين وقتالهم بعضهم بعضاً بعد فتح فارس والروم:

قال مسلم رحمه الله: حدثنا عمرو بن سواد العامري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن العاص حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ ] قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أو غير ذلك. تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض](مسلم 4/2274)

قلت: وللأسف فقد حدث ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقتل المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً في الجمل وصفين!! فأنا لله وأنا إليه راجعون

الحادي والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه لا تقوم الساعة حتى تقاتل أمته قوماً صغار الأعين ذلف الأنوف(قصر الأنف مع انبطاحه)، وهذه حلية التتار، فكان كذلك ووقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

الثاني والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بأن عماراً ستقتله الفئة الباغية، فقتل يوم صفين مع علي رضي الله عنه [ رواه البخاري: الصلاة [ 1 / 644 ] ومسلم: الفتن [ 4 / 2915 ] وأخرجه مسلم في صحيحه رقم(2916) من حديث أم سلمة.

الثالث والعشرون: أخبر صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج، ووصف لهم الثدية، فحدث كما وصف سواء بسواء. وأحاديث قتال الخوارج متواترة، أنظرها في السنة لأبن أبي عاصم(2 / 623 _ 2233) من حديث أبي بكرة.

الثالث والعشرون: أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بأنه سوف تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، فوقع ما أخبر به، وكان ظهور هذه النار في سنة بضع وخمسين وستمائة، وتواتر أمرها. [ البخاري: الفتن 13 / 84 ] [ مسلم: الفتن 4 / 2227 ] رقم(2902) قال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند أهل الشام _ وبصرى مدينة معروفة بالشام، تبعد عن دمشق حوالي 100 كم شرقاً.

وأخيرًا وبعد هذا العرض لبعض المعجزات الظاهرة للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم نقول: تعساً والله لمن لا يعتبر..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاللمين
2. شبهة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتِ بمعجزة



مقدمة:

طبع أحد المستشرقين كتاباً مختصراً يحتوي على ترجمة لحياة النبي(صلى الله عليه وآله)، وعلى غلاف الكتاب وضعت صورة خيالية للنبي(صلى الله عليه وآله)، كتب تحتها العبارة الآتية: متى يُطلب منه – يقصد بذلك النبي(صلى الله عليه وآله) – الإتيان بمعجزة، كان يقول: ليس لدّي معجزة، وأن الله لم يمنحنيها.

رد الشبهة:

إنّ هذا المستشرق خلط الحق بالباطل بهذه الشبهة، فعندما قال النبي(صلى الله عليه وآله): المعجزة ليست بيدي، هذا الكلام حق، ويعرفه الناس جميعاً، والآية الكريمة الآتية تؤيّد ذلك، قال الله تعالىSadوَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) الرعد: 38، غافر: 78.

وفي معاجز النبي عيسى(عليه السلام) يؤكّد القرآن الكريم على هذا المضمون، قال تعالىSadأَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ) آل عمران: 49.

وخلاصة القول: أنّ الأنبياء(عليهم السلام) جميعاً لا يستطيعون عمل شيء إلاّ بإذن الله تعالى، وهذا الكلام يدعمه الدليل العلمي والفلسفي.

نعود الآن إلى الادِّعاء الثاني من الشبهة، وهو: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: بأنّ الله لم يعطني أي معجزة.

وهذا الادِّعاء مرفوض، لأنّ القرآن الكريم، والأخبار، والأحاديث المتواترة، التي جمعها المحدّثون في كتبهم، اتفقت جميعها على حدوث كثير من المعجزات على يد النبي(صلى الله عليه وآله)، وأنّها كانت بتسديد من الله عزَّ وجل.

لنصرف النظر الآن عن كتب الحديث والرواية، ونذهب إلى القرآن الكريم، ليقضي بيننا في هذا الأمر، نجد القرآن الكريم قد ذكر كثيراً من المعجزات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 - شق القمر(سورة القمر).

2 - المعراج(سورة الإسراء).

3 - المباهلة(آل عمران: 61).

وبناءً على ذلك يكون الرسول(صلى الله عليه وآله) قد جاء بالمعجزات كباقي الأنبياء(عليهم السلام) عندما كان الناس يطالبونه بها لإثبات نبوته، علماً أنّ معجزات الأنبياء(عليهم السلام) كانت خاصّة بزمانهم ومكانهم.

أما معجزات النبي(صلى الله عليه وآله) فمنها ما كان مختصّاً بزمان ومكان معين، ومنها التي لم تتقيّد بحدود المكان والزمان، وبقت وستبقى شاهدة على نبوته(صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهي معجزة القرآن الكريم.

القرآن الكريم الذي تحدَّى الناس أجمعين من الأولين والآخرين، بأن يأتوا ولو بآية من مثله، لكنهم عجزوا عن ذلك، لذلك – وأمام هذا التحدي – نجد بعض المغرضين، أو قاصري النظر، تصوّروا بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) ليس لديه معجزة غير القرآن.

في الوقت الذي صرَّحت به كثير من الآيات والروايات بأنّ للنبي(صلى الله عليه وآله) معجزات أخرى غير القرآن الكريم، وقد ذكرنا قسماً منها فيما تقدّم.
3. المعجزة الكبرى.. القرآن الكريم



أعطى الله عز وجل كل نبي من الأنبياء عليهم السلام معجزة خاصة به لم يعطيها بعينها غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه

فلما كان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة، بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العزيز الجبار انقادوا للإسلام وصاروا من عباد الله الأبرار.

وأما عيسى عليه السلام فبعثه الله في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد، أو على مداواة الأكمه والأبرص،



وكذلك نبينا بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله عز وجل، فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده فتحداهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا عن ذلك كما قال تعالي: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) - سورة الإسراء آية 88 وكما قال الله تعالي: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ) - سورة الطور ايات 33 و 34

ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في سورة هود: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين).

ثم تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي بسورة منه، وأخبر تعالى أنهم لا يستطيعون ذلك أبدا لا في الحال ولا في المآل فقال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (سورة البقرة:23-24).

وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدا؛ فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟

وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف ولا يتفاوت ولا تختلف خصائصه معجز في بنائه الفكري وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن تصطدم بالفطرة الإنسانية معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها وقد سرد هبة الدين الحسيني الشهرستاني المزايا الإجمالية للقرآن ومنها:

- فصاحة ألفاظه الجامعة لكل شرائعها.

- أنباؤه الغيبية، وأخباره عن كوامن الزمان، وخفايا الأمور.

- قوانين حكيمة في فقه تشريعي، فوق ما في التوراة والإنجيل، وكتب الشرائع الأخرى

- سلامته عن التعارض والتناقض والاختلاف.

-أسرار علمية لم تهتد العقول إليها بعد عصر القرآن إلا بمعونة الأدوات الدقيقة والآلات الرقيقة المستحدثة.

- ظهوره على لسان أمي لم يعرف القراءة ولا الكتابة.

-خطاباته البديعة، وطرق إقناعه الفذة.

- سلامته من الخرافات والأباطيل.

-تضمنه الأسس لشريعة إنسانية صالحة لكل زمان ومكان.

قال الحافظ بن كثير: إن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن، بعشر سور مثله، بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون كما قال تعالىSadفَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) -( سورة البقرة آية 24) أي فان لم تفعلوا في الماضي، ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحد ثان، وهو أنه لا يمكن معارضتهم له في الحال ولا في المآل ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن لبشر معارضته، ولا الإتيان بمثله، ولو كان من عند نفسه لخاف أن يعارض، فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصد من متابعة الناس له..
4. عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس



لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعدائه كثير الأذى وعظيم الشدة منذ أن جهر بدعوته ولكن الله تبارك وتعالى حفظه ونصره وعصمه من الناس كما قال تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ - سورة المائدة آية 67.

وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يحرس قبل نزول هذه الآية من قبل بعض أصحابه فلما نزلت هذه الآية قال: يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل

ومن الأمثلة على عصمة الله لرسوله وكف الأعداء عنه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ - أي يسجد ويلصق وجهه بالعفر وهو التراب قال: قيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله رضي الله عنه وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال فما فجئهم(أي بغتهم) منه إلا وهو ينكص على عقبيه(أي رجع يمشي إلى ورائه) ويتقي بيديه قال فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا - رواه البخاري مختصرًا ورواه مسلم واللفظ له.

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قصة الهجرة النبوية قال: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك فقلت: أتينا يا رسول الله فقال: لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها فقال: إني أراكما قد دعوتما علي فادعوا لي فالله لكما أن أرد عنكما الطلب. فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم فنجا فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتكم ما هنا فلا يلقى أحدًا إلا رده قال: ووفيلنا - رواه مسلم والبخاري مطولاً.

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينًا فولى صحابة النبي صلى الله عليه و سلم فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه و سلم(أي أتوه من كل جانب) نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه(أي قبحت) فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم غنائمهم بين المسلمين - رواه مسلم.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل نجد(أي ناحية نجد في غزوته إلى غطفان وهي غزوته ذي أمر موضع من ديار غطفان) فأدركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في واد كثير العضاه(هي كل شجرة ذات شوك) فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن رجلاً أتلني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتًا(أي مسلولاً) في يده فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله. قال: فشام السيف(أي رده في غمده) فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه و سلم - رواه البخاري ومسلم.

جالس أمامها ولا تراه:

قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } جاءت العوراء أم جميل، ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذممًا أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني، وقرأ قرآنًا اعتصم به منها: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً}.

قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك(أي أنه حكى ما قاله ربه، وما كان هذا كلامه، وإنما كلام ربه تعالى فلم يكن هاجيًا له)، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها - رواه أبو يعلى.

مر صلى الله عليه وسلم عليهم وألقى على رءوسهم التراب ولا يرونه:

لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه يوم الهجرة أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب ويرصدونه، ويريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فأخذ حفنة من البطحاء، فجعل يذره على رءوسهم، وهم لا يرونه وهو يتلو { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }.

ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً، وجاء رجل ورأى القوم ببابه، فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا قال: خبتم وخسرتم، قال: والله مر بكم وذرّ على رءوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه.

وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، وهم: أبو جهل والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. أخرجه ابن سعد وابن هشام وأحمد، وقد حسنه ابن كثير وابن حجر في الفتح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالإثنين ديسمبر 05, 2011 3:33 pm


السلام عليكم ورحمة الله وبر كاتة

انشر سيرة نبيك بكل اللغات

- قال صلى الله عليه وسلم : ( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم ).
الجامع الصحيح .

- نصيحة أبتغى فيها ما عند الله تعالى ..
أخي أختي في الله .. الأجر العظيم أتاكم .. كن سبب في إسلام إنسان واخدم هذا الدين وأعمل بما أمرك الله فقط أنشر هذا كتاب وموقع يدعو ويعرف بالإسلام ..
-احرص على نشره في أماكن الغير ناطقين بالعربية..ولا تتهاون في ذلك أبدا
-أكتبه على طريقه الستيكرز والصقه على سيارتك إن أمكن وكونوا السبب بعد الله سبحانه وتعالى في إخراج إنسان من النار إلى الجنة إنشاء الله أخي أختي في الله اجتهد ...
ليس لأحد!!؟؟ فقط لربك وخالقك الله عز وجل .

- تم تدشين موقع لسيرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بعشر لغات.. سيتم إضافة المزيد من اللغات قريبا بإذن الله ..

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

- وهذا موقع كتاب يسرد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويوضح الإسلام :

للغة الإنجليزية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة الفرنسية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة الإيطالية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة الأسبانية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة الصينية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة اليابانية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

للغة الألمانية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

* موقع الكتاب على الانترنت هو :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

* وهذا الكتاب على هيئة بي دي اف بشكل الكتاب الأصلي :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
حـ النايلى سـن
عضو نشيط
عضو نشيط
حـ النايلى سـن


الوسام سيرة الرسول الأكرم Jb488694
ذكر القرد
تاريخ التسجيل : 14/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 15, 2011 12:19 am

صلى الله عليه وسلم
بارك الله فيك عل مواضيعك الرائعة
تحياتى نسمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com/
نسمة صباح
المدير العام
المدير العام
نسمة صباح


انثى الكلب
تاريخ التسجيل : 02/12/2011

سيرة الرسول الأكرم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة الرسول الأكرم   سيرة الرسول الأكرم I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 15, 2011 3:57 pm

مشكور للمرور أخي

حسن

أسعدني تواجدك


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://breeze.ahladalil.com
 
سيرة الرسول الأكرم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سجل حضورك بالصلا ة على رسولنا الأكرم
»  0 باب في الموضوع والضعيف فيما ورد عن الرسول ( عليه الصلاة والسلام )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نسمة صباح :: نسمات دينية :: رسولنا الأكرم صـالله ـلى علـ وسلم ـيه-
انتقل الى: