المستهلك نت - يعاني العديد من أفراد المجتمع من آلام في المعدة؛ نتيجة لحدوث تآكل موضعي في الغشاء المخاطي لجدار المعدة أو ما يسمّى بالقرحة المعديّة، كما قد تحدث القرحة في الجزء الأول من الأمعاء والمعروف بالاثني عشر وهذه القرحة تسمّى القرحة المعويّة. ويحدث في بعض الأحيان أن تصيب القرحة المعدة والأمعاء معاً في آنٍ واحد، والقرحة المعويّة هي الأكثر شيوعا وغالبا ما تصيب المرضى بين عمر 30 و50 عاما، والرجال أكثر عرضة للإصابة من النساء بنسبة الضعف، أمّا القرحة المعديّة فغالبا ما تصيب المرضى بعد عمر 60 عاما وتصيب النساء أكثر من الرجال.
وقد احتار الأطباء في مسببات القرحة بالعقود الماضية، إلاّ أنّهم في العقد الأخير اكتشفوا أنّ نوعاً معيناً من البكتيريا تسمّى الهيليكوباكتر، تعمل على إضعاف الغشاء المخاطي للمعدة والأمعاء الدقيقة وحصول القرحة عند المريض، وقد أدّى هذا الاكتشاف إلى نقلة نوعيّة وجذريّة في أساليب علاج القرحة.
ما هي القرحة؟
القرحة هي عبارة عن تمزق وتآكل جزء صغير من البطانة السطحيّة للجهاز الهضمي في الإنسان، وغالباً ما تكون في المعدة أو الاثني عشر، وعند مرور العصارة المعديّة المحتوية على الأنزيمات وحمض الهيدروكلوريك على هذا التآكل ينتج شعور بالألم لدى المريض، وغالبا ما يزيد حجم قرحة المعدة على 1/2سم.
أعراض القرحة
أهم أعراض القرحة ألم حارق حاد في أعلى البطن، يستمر من دقائق إلى عدة ساعات، وقد يوقظ الشخص المصاب من نومه، ويقل الألم عند تناول المصاب لمضادات الحموضة ثم يعود ثانية، كما يقل الألم في القرحة المعديّة عندما يتناول المريض الطعام ويعود عند الجوع، وعلى العكس من ذلك فيزداد ألم بعض القرحات المعويّة، وهي أكثر تقرحات الجهاز الهضمي انتشاراً، عند تناول الطعام.
يشعر مريض القرحة في بعض الأحيان بغثيان ورغبة في التقيؤ وفقدان الشهيّة وما يتبع ذلك من تناقص للوزن.
وتؤدي القرحة إلى حصول نزيف دموي بسيط يظهر على شكل نزول دم مع البراز، ويصبح لون البراز في هذه الحالة أسود مثل الفحم، مع ملاحظة أنّ سواد البراز قد ينتج أيضاً عن تناول الشخص لعنصر الحديد.
أسباب حدوث القرحة
كانت، في السابق، تعزى مسببات القرحة إلى العديد من العوامل بعيدة عن العوامل الجرثوميّة، إلاّ أنّه اكتشف أنّ العامل الجرثومي هو من أهم مسببات القرحة عند الإنسان إلى جانب العوامل الأخرى التالية:
أولاً: العوامل الجرثوميّة؛ حيث كشفت الأبحاث الطبيّة أنّ الإصابة ببكتيريا المعدة الحلزونيّة (الهيليكوباكتر بايلوري) التي تعيش في الوسط الحامضي في المعدة وتتكاثر بالطبقة المخاطيّة من بطانتها تسبب تآكل جدار المعدة وحدوث القرحة، وتعتبر هذه البكتيريا السبب الرئيس في تكرر الإصابة بقرحة المعدة في حال عدم معالجتها بالمضادات الحيويّة.
ثانياً: استعمال الأدويّة المسكنة المضادة للالتهاب مثل؛ الأسبيرين والبروفين والفولترين، التي تستخدم في كثير من حالات التهابات المفاصل والروماتيزم، حيث يسبب استخدام هذه الأدوية ضعف النسيج المبطن للمعدة والأمعاء وتآكله، وفي حالة استخدامها كمسكنات للألم يفضل استخدام البراسيتامول (البنادول) بدلا منها، أمّا إذا استخدمت كمضادات للالتهاب، وفي حال عدم وجود بديل منها، فيستحسن تناولها مع الطعام أو بعده مباشرة.
ثالثاً: حدوث خلل في الآليات الهرمونيّة والعصبيّة التي تحمي بطانة المعدة، ونتيجة لذلك يحدث خلل في تكوّن الغشاء المخاطي الذي يحمي المعدة وتصبح الأنسجة الداخليّة للمعدة معرضة للتآكل بسبب العصارة المعديّة.
رابعاً: العوامل النفسيّة مثل؛ القلق والتوتر العصبي، وهذه العوامل بذاتها لا تسبب القرحة إنّما هي من العوامل المساعدة على حدوثها.
خامساً: أسباب جينية وراثية تزيد من قابلية بعض الأشخاص للإصابة بالقرحة دون سواهم.
سادساً: التدخين الذي يسبب زيادة في إفراز وتركيز حمض الهيدروكلوريك في المعدة وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالقرحة.
سابعاً: تناول الخمور، التي تهيّج جدار المعدة.
ثامناَ: النظام الغذائي غير الصحيح الذي يحتوي على الأطعمة والمشروبات المهيّجة لجدار المعدة مثل؛ تناول كميات كبيرة من الفلفل الحار أو المشروبات الغازيّة.
تاسعاً: الأشخاص المصابون بمتلازمة زولينجر-إليسون يكونون أكثر عرضة للإصابة بالقرحة.
مضاعفات القرحة
تشتمل مضاعفات القرحة على:
أولاً: نزيف المعدة أو الاثني عشر، الذي يحدث فجأة ومن دون مقدمات منبهة سابقة، وهو نوعان:
النزيف المزمن: وهو عبارة عن نزول الدم من القرحة الموجودة في المعدة أو الاثني عشر، بشكل بسيط لفترة طويلة من الزمن، ممّا قد ينتج عنه فقر الدم وفقدان الوزن وحدوث اختلالات في وظيفة الجهاز الهضمي.
النزيف الحاد: يحدث النزيف في هذه الحالة نتيجة تدفق الدم من جدار الأمعاء بشكل مفاجئ وشديد، وتتمثل أعراضه بالإعياء الشديد وليونة البراز واتجاه لونه إلى السواد نتيجة امتزاجه بالدم، كما قد يتقيأ المريض دما أسود.
ثانياً: حدوث ثقب في أنسجة المعدة أو الأمعاء نتيجة للقرحة، وفي مثل هذه الحالة تتآكل جميع طبقات جدار الجهاز الهضمي من تأثير العصارة الهاضمة، وينتج عن ذلك خروج الطعام والعصارة المعديّة والبكتيريا الموجودة في الجهاز الهضمي إلى تجويف البطن ممّا يسبب تلوثه وحدوث التسمم، وهذه مضاعفة خطيرة جداً تتسبب في حدوث تدهور سريع في حالة المريض الصحيّة وارتفاع درجة حرارته وتستدعي إدخاله فوراً إلى المستشفى.
ثالثاً: تضيّق مدخل الإثني عشر نتيجة لوجود العديد من التقرحات في تلك المنطقة ممّا ينتج عنه تليفها ومع الزمن يزداد هذا التليف ممّا يؤدي إلى تضيّق هذه المنطقة لدرجة لا تسمح بمرور الطعام من خلالها، ويؤدي ذلك إلى شعور المريض برغبة في التقيؤ والغثيان وعدم الرغبة في تناول الطعام وفقدان الوزن مع الزمن.
رابعاً: قد تتحول القرحة وبخاصة قرحة المعدة إلى سرطان المعدة وبخاصة عند كبار العمر، ولكن تظهر الدراسات أنّ هذه الحالات نادرة في المجتمع الأردني.
تشخيص القرحة
لا يمكن تشخيص القرحة الهضميّة إلاّ من قبل الطبيب المختص، ولذا لا يجوز أن يشخص المريض نفسه بنفسه ويبدأ بتناول العلاج جزافاً بناء على رأيه الشخصي، ومن أهم الفحوصات التي قد يجريها الطبيب المختص لتشخيص القرحة الهضميّة ما يلي:
1. يأخذ الطبيب التاريخ المرضي للمريض ونتيجة الفحص السريري، وعندما يشك بإصابته بالقرحة يطلب بعض الفحوصات التأكيدية.
2. التصوير بالأشعة الملونة للمعدة والجهاز الهضمي؛ حيث يقوم المريض بتناول مادة ملونة ثم تؤخذ له صور أشعة متكررة.
3. التنظير الداخلي للجهاز الهضمي الذي يعتبر الفحص الأدق لتشخيص القرحة، والمنظار الداخلي المستخدم هو أنبوب طويل ودقيق يحتوي على آلة تصوير في نهايته يدخل عن طريق الفم ليصل إلى مكان التقرح ويراه الطبيب، كما يمكن استخدام هذه الوسيلة لأخذ عينات من جدار المعدة وزرعها للتأكد من وجود البكتيريا.
علاج القرحة
يهدف علاج قرحة المعدة إلى تحقيق أمرين اثنين لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، الأول: القضاء على بكتيريا الهيليكوباكتر المسببة للقرحة، والثاني: معالجة حموضة المعدة، وتستخدم لهذه الغاية أربع مجموعات من العلاجات المكملة لبعضها وهي:
أولاً: مضادات حيوية لقتل بكتيريا المعدة الحلزونيّة، وقد أثبت علاج القرحة بالمضادات الحيويّة نجاحاً كبيراً ولوحظ عدم تكرار الإصابة بالقرحة بعد الشفاء في 80-90% من حالات العلاج بالمضادات الحيويّة.
ثانيّاً: مضادات إفراز الحمض مثل (cimetidine, ranitidine, or famotidine)، وتهدف هذه العلاجات إلى معالجة حموضة المعدة وتخفيف الألم وتعجيل الشفاء.
ثالثاً: مثبطات مضخات البروتون مثل (الأوميبرازول) وتهدف هذه العلاجات أيضاً إلى معالجة حموضة المعدة وتخفيف الألم وتعجيل الشفاء.
رابعاً: أدوية لحماية جدار المعدة مثل(sucralfate ) الذي يعمل على تغليف أنسجة المعدة من الداخل وبخاصة المنطقة المتقرحة؛ حيث لا تصلها حموضة المعدة مما يساهم في تعجيل الشفاء.
ويجب أن يستمر مريض القرحة بمتابعة اختصاصي جهاز الهضم للتأكد من القضاء على البكتيريا المسببة للقرحة قضاء تاماً، حيث تظهر الدراسات العلميّة احتماليّة تكرار إصابة المريض بالقرحة في العديد من الحالات، لذا قد يقوم الطبيب المختص بإجراء التحاليل اللازمة وإعادة الفحص بالمنظار لأخذ بعض العينات والتأكد من الشفاء التام.
نصائح يجب على مريض القرحة اتباعها
على مريض القرحة أن يمتنع عن التدخين بجميع أنواعه وأشكاله. مع تجنب العلاجات المضادة للالتهاب واستخدام البراسيتامول (البنادول) كمسكن للآلام، وبشكل عام لا يجوز تناول أي علاج إلاّ بمشورة الطبيب المختص.
كما ينصح مريض القرحة بمتابعة الطبيب المختص بأمراض الجهاز الهضمي حتى الشفاء التام. فضلا عن الابتعاد عن الانفعالات والتوترات النفسية.
يفضل أن يمارس المريض العادات الصحيّة السليمة أثناء تناول الغذاء كتجنب تناول الطعام الساخن أو البارد جدا، والابتعاد عن ملء المعدة بالطعام والتهامه بسرعة، بالإضافة إلى الأكل في مواعيد ثابتة وتناول وجبات خفيفة بين الوجبات الأساسية التي يجب ألا تقل عن ثلاث وجبات غالبا، وعدم النوم بعد تناول الأكل مباشرة.